الحلول المقترحة اليوم لمعالجة الأزمة المفتعلة للأقساط هي موضوع اشكالي بحد ذاته لكل الأطراف التي توجهت إلى رئيس الجمهورية ميشال عون ووزارة التربية لإيجاد مخارج، بينما كانت الحلول المنطقية بين أيديها لكنها تعامت عن رؤيتها. بداية، توجه وفد اللجنة الأسقفية الكاثوليكية إلى الرئيس لعرض مطالب اتحاد المؤسسات التربوية الخاصة، ومنها أن تتحمل الدولة فرق الزيادات على الأقساط في المدارس الخاصة المترتبة عن تطبيق السلسلة الجديدة، إنطلاقاً من أنّ وحدة التشريع تستتبع وحدة التمويل، (...)، وتمديد مهلة تقديمها لموازنتها السنوية شهراً إضافياً»، بحسب موقع رئاسة الجمهورية.

قبل مناقشة رد الرئيس نطرح تساؤلات أساسية: هل تعتقد اللجنة الأسقفية فعلاً أنّ الدولة ستتحمل فرق الزيادات على سلسلة الرتب والرواتب بكلمة «تكرم عينكم» ليوقع الرئيس على شيك لا يقل عن 300 مليار هدية للمدارس الخاصة بشكل مباشر، ما سيرفع بالتالي قيمة المنح المدرسية للقطاع العام والعسكر بما لا يقل عن 200 مليار أخرى (أي ما مجموعه نصف كلفة السلسلة!)
لن يحصل ذلك، بدليل أن الزوار خرجوا غاضبين من القصر الجمهوري، وإن ارتسمت على وجوههم الإبتسامات، فهم عبروا عن استيائهم لاحقاً بعدما سمعوا رد الرئيس القانوني والدستوري: «إن الدستور كفل حرية التعليم وأجاز إنشاء مدارس خاصة كما لحظت القوانين والأنظمة المرعية الإجراء حق الناس في التعليم المجاني، فقد يكون من الاقتراحات التي يمكن طرحها للمعالجة، أن تتولى الدولة دفع رواتب المعلمين في المؤسسات التعليمية الخاصة شرط أن تلتزم هذه المؤسسات القواعد والأنظمة التربوية التي تضعها الدولة وتكون أقساطها المدرسية محددة، إستناداً إلى موازناتها التي تخضع لرقابة وزارة التربية»، دائماً بحسب موقع رئاسة الجمهورية.

اشاعات عن تمديد مهلة
تسليم الموازنات إلى 28 شباط

كلام الرئيس كان واضحاً: «قد يكون من الاقتراحات (...) أن تتولى الدولة دفع الرواتب (...) شرط أن تلتزم هذه المؤسسات الأنظمة التي تضعها الدولة وتخضع لرقابة وزارة التربية». في هذه الصياغة حمى الرئيس تطبيق القوانين كما الدستور، في حين أنّ بيان الأمانة العامة للمدارس الكاثوليكية خرج بعد يومين ليرفض مقترح الرئيس، وكذلك فعل رئيس اللجنة الأسقفية للمدارس الكاثوليكية المطران حنا رحمة في أكثر من مقابلة أجريت معه.
فما أشار إليه الرئيس عون بوضوح أيضاً في البيان: «مثل هذا الإجراء من شأنه أن يخفض كلفة التعليم على الأهالي الذين يساهمون في تمويل الخزينة (...)». هذه الرسالة تلقفتها اللجنة الأسقفة فشكلت صدمة ثانية لها، على خلفية أنَ «العبث بموازنات مدارسنا وخفضها وفضح أرباحنا وربما محاسبتنا أمر مرفوض بالمطلق، باعتبار أننا كنا ولا زلنا نرعى التعليم في لبنان منذ مئات السنين، ومن غير الممكن أن تتوجهوا إلينا بنكران للجميل كهذا».
في السياق توجهت اتحادات لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية إلى قصر بعبدا دعماً لمشروع الرئيس في رسالة شكر لتصريح مزعوم ومنقول عن لسانه أنّ الدولة ستدعم الأهالي وتوزع الزيادة على 4 أطراف: الأهل والمدارس والمعلمين، والدولة، مع أن الرئيس كان دقيقاً: «تدفع الدولة... شرط...»، وهذا الشرط مرفوض من المدارس الخاصة طبعاً، فهو يخضعها عملياً لقانون شبيه بالمدارس المجانية المدعومة من الدولة، وبالتالي يحصر المساعدة بمبالغ محددة لها أسقف واضحة تتقاضاها المدرسة من الأهل. وفي المقابل تشرف الدولة على الموازنات وتدفع رواتب المعلمين. أما فكرة الشركاء الأربعة فهي خيالية حسابياً. إذ أن الأهل سيدفعون حصتهم وحصة المدرسة (لأن الأهل هم من يموّل المدرسة)، وسيدفعون جزءاً من حصة الدولة التي ستغطيها من الضرائب، فيما يدفع المعلمون الحصة الباقية. نعم، هو توصيف ساخر لكنه حقيقي وواقعي، ففي تجزئة كلفة التغطية على 4 أطراف لمبلغ قيمته 500 مليار ليرة تقريباً، ستكون حصة المعلم نحو 5 ملايين ليرة سنوياً أي أكثر من قيمة الدرجات الست، أما قيمة مساهمة الأهل فهي مليون ليرة عدا كلفة الضرائب لتغطية المنح المدرسية التي سترتفع وتغطية حصة الدولة. الأمر مستحيل، عدا عن أنّ إصدار القوانين سيتطلب سنوات لتحقيقه.
إذاً الحلول التي تسوق لها اتحادات المدارس وتزيفها وتنقلها للرأي عام غير ممكنة أبداً. هذا ما يفسر الارباك الواضح الناتج عن منهجية تفكير سلطوية أحادية، فمستشار المدارس الكاثوليكية ليون كيلزي قال أخيراً في البرنامج التلفزيوني «بموضوعية» ما خلاصته: «لا اعترف بقانون لا يناسبني...». و«الأمر لي». (بالإذن من السيد نقولا شماس) وها هي إدارات المدارس اليوم تبث إشاعات عبر بعض لجان الأهل في المدارس الخاصة أن الوزارة مددت مهلة تقديم الموازنات إلى 28/2/2018، لدفع الوزير الى إعلان هذا التعديل كمطلب شعبي للجان الأهل، في حين المعلومات تشير إلى أن الموضوع مطروح، لكن ليس هناك قرار نهائي بشأنه حتى الآن في انتظار التفسير القانوني.
يترافق هذا الهجوم من اتحادات المدارس مع هدوء على جبهة وزير التربية مروان حمادة ومحاولته حل الأزمة بنعومة، وكأن أياً من مستشاريه لم ينصحه بالمشاكل التي ستنتج عن طرحه تقسيط الدرجات الست الاستثنائية على ثلاث سنوات، في السنتين المقبلتين. ففي السنة الثانية ستلاحظ المدرسة مثلاً أنها ستخسر 5% من تلامذتها فترفع القسط لتغطي هذا العجز، وكذلك ستفعل في السنوات التي تليها، وسيرتفع القسط فعلياً بما لا يقل عن 40 إلى 50% بعد 4 سنوات وليس كما هو مفترض، سيضاف الى الزيادة الأساسية تغطية أقساط المغادرين إلى مدارس أقل كلفة، درجات المعلمين، وزيادة على الزيادة. اما الطامة الكبرى فهي أن الأهل غير قادرين على دفع الزيادة وأغلبهم يعتبر الآن أنّ هناك أرباحاً تجنيها العديد من المدارس بطرق مخالفة للقانون ويجب محاسبتها واستعادة أموال الأهل منها.
في المحصلة، لم يطرح رئيس الجمهورية ووزير التربية فكرة تطبيق القانون 515/96 و11/81 بكامل تفاصيله واعادة الدور المغيّب والمعطّل للجان الأهل، إن في المدارس أو في المجلس التحكيمي. المطلوب العودة إلى تطبيق القوانين. فهي وجدت لتكون الإطار العادل والبسيط والسريع.
* باحث في التربية والفنون، عضو الحملة الوطنية للجان الأهل وأولياء الأمور في المدارس الخاصة