ما زال الشاعر الفلسطيني أشرف فياض يقبع في سجون القهر في السعودية، على خلفية مجموعته الشعرية «التعليمات في الداخل». ثماني سنوات وثمان مئة جلدة من أجل مجموعة قصائد. نسي الشاعر الذي يقبع في غرفته المظلمة الآن، وترك وحيداً بين جدران الظلام، حتى الحملات المتواضعة التي كانت انطلقت في العامين الأخيرين تلاشت، إذ لم يشهد 2017 أي تحرك يذكر تجاه قضية فياض، فـ «لا حس ولا خبر». اختفى الشاعر، كأن ظلام زنزانته ابتلعه، كأنه غير موجود.
وبينما شهد عام 2016 تراجعاً في حجم وجودة الانتاج السينمائي الفلسطيني، عادت السينما لتبرز مجدداً في 2017. كان فيلم «اصطياد أشباح» لرائد أنضوني هو نجم العام السينمائي بلا منازع، حاصداً عشرات الجوائز منها «الدب الفضي» في «مهرجان برلين السينمائي» لأفضل فيلم وثائقي، وآخرها «ريشة أنهار» في مهرجان «كرامة لأفلام حقوق الإنسان» في الأردن. وكانت السينما الفلسطينية نجمة «مهرجان دبي السينمائي» لتنتزع ثلاثاً من أهم جوائز المهرجان. بعد غياب سنوات عن المشهد السينمائي، عادت المخرجة آن ماري جاسر لتظهر بفيلمها الجديد «واجب» الذي حصل على جائزة أفضل فيلم، وحصل الممثلان محمد بكري وصالح بكري على جائزة «أفضل ممثل» عن دورهما في الفيلم نفسه أيضاً. كما حصل فيلم «رجل يغرق» لمهدي فليفل على جائزة «أفضل فيلم روائي عربي قصير» في المهرجان نفسه. هاني أبو أسعد انضم إلى المخرجين العالميين ودخل (وأخيراً) «هوليوود» بقوة؛ بإخراجه فيلم The Mountain between us الذي حقق أرباحاً زادت عن 25 مليون دولار في شباك التذاكر الأميركية وحدها. ويبدو العمل كأنه سيمهد الطريق لمخرجه لخوض أعمال «هوليوودية» أخرى. الفيلم ومخرجه أيضاً كانا ضحية «مهرجان القاهرة السينمائي» حين تمت دعوة أبو أسعد وبرمجة فيلمه كفيلم افتتاح، ليُعرض الشريط في الوقت نفسه الذي افتتحت فيه إدارة المهرجان بوفيه الطعام! أضف إلى ذلك رداءة جودة العرض، مما دفع أبو أسعد إلى الاعتذار للأشخاص الذين تواجدوا في الصالة، محتجاً على سوء التنظيم وجودة عرض الفيلم. الممثل الفلسطيني كامل الباشا الذي عرفه المسرح ولم تعرفه شاشة السينما جيداً؛ نال جائزة أفضل ممثل في «مهرجان البندقية» عن دوره في فيلم «قضية رقم 23» للبناني زياد دويري. شريط أثار جدلاً كبيراً على خلفية المواقف التطبيعية لمخرجه. الفيلم «القضية» انتقل أيضاً إلى فلسطين ليحتدم الجدل حوله ويتحول إلى صدام عند إدخاله في برمجة «أيام سينمائية» كفيلم اختتام. تصدت له حملات شعبية طالبت بوقف عرض شريط «المخرج المطبع»، أبرزها حملة BDS التي طالبت إدارة المهرجان بسحب العرض، لتنتهي القضية بانتصار الحملات وسحب الفيلم.

فوز الروائية حزامة حبايب، ورحيل أحمد دحبور وعبد
المحسن القطان


في الأدب، ظهرت عناوين جديدة في الرواية والشعر، لكن ليس بحجم العام الماضي من ناحية الكم والجوائز. اختتمنا العام بالروائية حزامة حبايب التي فازت بـ «جائزة نجيب محفوظ» في القاهرة، عن روايتها «مخمل» (المؤسسة العربية للدراسات والنشر)، بينما شهدنا نشاطا ملحوظاً في النشاطات الأدبية، تقوده «مؤسسة محمود درويش». انطلقت النسخة الأولى من «مهرجان أصوات حرة من المتوسط» المهرجان الفرنسي المختص في الشعر الذي يعقد في مدن متوسطية عدة. وحط رحاله في رام الله أخيراً بعد تأجيل دام أكثر من أربع سنوات. وأقامت «وزارة الثقافة» النسخة الأولى من «ملتقى رام الله الروائي» دعت إليه العديد من الكتاب العرب، لكنه لم يسلم من الانتقادات، وانتهى بنتائج جد متواضعة.
الإنتاجات الموسيقية شهدت تراجعاً ملحوظاً داخل فلسطين. من جهة أخرى، برز اسم مغني السوينغ والجاز عمر كمال الذي افتتح «مهرجانات بيت الدين» في لبنان. وبرزت فرقة جديدة «الإنس والجام» التي أصدرت أغنية «تراللي» التي لاقت رواجاً كبيراً داخل فلسطين. الملحنة وعازفة البيانو دينا الشلة أصدرت ألبومها الأول «صدفة». أما خارج فلسطين، فحافظت مجموعة من الموسيقيين على نشاطها المعهود. كاميليا جبران أصدرت من باريس ألبوماً جديداً تحت عنوان «حبكة». وظهر ألبوم «زبد» لأحمد الخطيب ويوسف حبيش. «الثلاثي جبران» انهمكوا في تسجيل ألبوم جديد تعاونوا فيه مع النجم البريطاني والعضو السابق لفرقة «بينك فلويد» روجر ووترز. الألبوم الذي سيظهر في الربيع القادم سيكون بمثابة انعطافة جديدة ونقلة نوعية في تجربة الثلاثي.
لا ننسى أيضاً الفندق «الأثير» للفنان البريطاني بانكسي الذي أقيم بمحاذاة جدار الفصل العنصري في بيت لحم. فندق يرحب بـ «الشباب الإسرائيليين»، مشروع يختلط فيه الفني مع البزنس، سُحر به بعضهم؛ وأثار انتقادات كثيرة واستهجاناً كبيراً في البلاد المحتلة، من يافطته المرحبة باللغة العربية والانكليزية والعبرية على مدخل الفندق، مروراً بالتعاون مع فنانين إسرائيليين لإنجاز المشروع، وانتهاء بخطابه الساذج عن فكرة «التعايش والسلام».في أراضي الـ 48 المحتلة، ظلت حيفا في صدارة النشاط الفني والثقافي الذي يقوده مجموعة من الشباب المسلحين بالوعي والمعرفة استطاعوا أن يخلقوا مشهداً ثقافياً لافتاً ينافس رام الله مركز السياسة والمال والمؤسسات. شهدنا طوال العام فعاليات كثيرة منها تظاهرة «كرنفال الأدب» التي نظمتها الشاعرة أسماء عزايزة صاحبة مبادرة «فَناء الشعر»، وظل «مسرح خشبة» نشطاً طوال العام، كما شهدت المدينة الدورة الثالثة لـ «مهرجان حيفا للأفلام المستقلة»، وانطلقت النسخة الأولى من «مهرجاز» المخصص لموسيقى «الجاز البديل».
أزمة الدول الخليجية المتناحرة ألقت بثقلها أيضاً على المشهد. بعض تلك الدول رفضت إعطاء تأشيرة دخول لمجموعة كبيرة من الفنانين الفلسطينيين؛ بشكل بدا كأنه سياسة جديدة. من ناحية أخرى أغلقت الأسواق الخليجية على التشكيليين الذين كانوا يعتمدون بشكل كبير على تسويق أعمالهم هناك.
موقع «رمان» الثقافي الذي يحرره الروائي سليم البيك أثبت نفسه بجدارة، كموقع مستقل غير مدعوم من الأموال والحكومات الخليجية، خلافاً للكثير من المواقع الثقافية الآن، وكمنبر قادر على مواكبة الأحداث الثقافية وتقديم مادة نوعية.
رحل عن عالمنا صاحب الـ «شهادة بالأصابع الخمس» و«حكاية الولد الفلسطيني» الشاعر أحمد دحبور (1946 حيفا)، وعبد المحسن القطان (1929 يافا) الشخصية الثقافية المعطاءة، الذي دعم الكثير من المشاريع الثقافية والتربوية وأسس «مؤسسة عبد المحسن القطان».
وجاء إعلان ترامب آخر العام كأنه يقرع جرساً كبيراً. استيقظ الشارع في كل أرجاء فلسطين المحتلة، بينما جاءت تحركات المثقفين والفنانين متواضعة لا ترقى لمستوى الحدث، وظلت تحركات فردية هنا وهناك. الفنانة رنا بشارة التي عودتنا أن نراها في الميادين تشتبك مع جنود الاحتلال؛ نزلت إلى ساحات وشوارع القدس ونقلت إلينا فيديوهات من الحدث. الشاعر زكريا محمد دعا إلى تظاهرة «ضجيج» متخذاً من الضجيج وسيلة للرفض، نزل إلى الشارع وتجاوب مع دعوته المئات. «مؤسسة محمود درويش» دعت الكتاب والمثقفين إلى وقفة احتجاجية أيضاً. وخرجت أصوات عديدة تدعو السلطة إلى حل نفسها وإلغاء «اتفاقية أوسلو» وتحملها مسؤولية ضياع الحقوق الفلسطينية وانهيار المشروع الوطني. تحركات وأصوات ـــ رغم أهميتها ـــ ظلت خافتة في معمعة وهول الحدث.
كان عاماً حافلاً عاصفاً شهد الكثير من الانتاجات الفنية والثقافية اللافتة نعم، إلا أن الجسم الثقافي الفلسطيني ظل غائباً عن لعب دور فعال، متجاهلاً الإجابة عن أسئلة مصيرية تتعلق بانهيار المشروع الوطني الفلسطيني، وسؤال المقاومة يتراجع في زحمة أسئلة كثيرة تحكمها حسابات شخصية مختلفة، حسابات لطالما أجبرت أصحابها على الصمت وكرست عجزهم وضعفهم. ربما ننهي هذه الجردة السريعة بكلمات الشهيد باسل الأعرج الذي رحل في آذار (مارس) الماضي وهو يشتبك ببندقيته مع جنود الاحتلال: «بدك تكون مثقف؟ لازم تكون مثقف مشتبك، وإذا ما بدك تشتبك... لا فيك ولا في ثقافتك»!