«تفاجأ» المدير التنفيذي لمعهد واشنطن لسياسة الشرق الأدنى روبرت ساتلوف، بموقف ولي العهد السعودي محمد بن سلمان، من إعلان الرئيس الأميركي دونالد ترامب، القدس عاصمة لإسرائيل ونقل السفارة الأميركية إليها. فيما زعم ساتلوف في مقال نشرته مجلة «فورين بوليسي» الأميركية، أمس، أنه كان يتوقّع «غضباً كبيراً» في أروقة النظام السعودي و«نفيراً عاماً» و«بحراً من المتظاهرين المناهضين للولايات المتحدة» في شوارع المملكة، فإن إعلان ترامب لم يكن له أي تأثير حقيقي في «مسقط رأس الرسول ومهد الإسلام وحاضنة الحرمين الشريفين»، لا على المستوى الشعبي ولا السياسي.
فالرياض، التي كان المدير التنفيذي فيها عند إعلان «القدس عاصمة لإسرائيل»، لم تنتفض نصرةً للقدس، وشوارعها لم تمتلئ بعشرات الآلاف من السعوديين المدافعين عن القضية الفلسطينية. أما رجال الدين في المملكة التي تدعي أنها «حامية الإسلام والمسلمين»، فالتزموا الصمت، بل تباهوا بالعلاقات المتينة مع ترامب وبتلك «الجديدة» مع الحكومة الإسرائيلية، ولا سيما الأمين العام لـ«لرابطة العالم الإسلامي» ووزير العدل السابق محمد العيسى، الذي «لم ينبس ببنت شفة» حول القدس وتحدّث في المقابل «بفخر كبير عن الصداقات التي أقامها مع الحاخامات في أوروبا وأميركا، والزيارة التي قام بها أخيراً إلى كنيس في باريس، وأكّد التزامه الحوار القائم بين الأديان».

ردّ الفعل العربي كان «رصيناً وناضجاً» والسعودية خير مثال!


وكانت صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية قد كشفت، أواخر الشهر الماضي، عن زيارة قام بها وزير العدل السعودي لأكبر كنيس يهودي في العاصمة الفرنسية «بدعوة من الحاخام الأكبر ليهود فرنسا حاييم كورسيي وحاخام كنيس باريس الكبير موشي صباغ»، واصفة الزيارة بـ«التاريخية... ومؤشر جديد على دفء العلاقات بين إسرائيل والسعودية».
ومن المفاجئ أن يؤكد ساتلوف ويكرر أنه «تفاجأ وصُدم ودُهش» من موقف العيسى، الذي قال إنه الأمين العام لـ«منظمة قامت لعقود طويلة بنشر تفسير متطرف للإسلام السني وتمويل المدارس والمساجد والمؤسسات الدينية الأخرى التي كانت حاضنة للجهاديين السنّة».
ومن المفاجئ أكثر أنه لم يتوقع أن الأمير الشاب، الذي يقصف ويحاصر اليمن، البلد العربي الأشد فقراً، غيرةً على «العروبة»، اكتفى، وفق المقال، بـ«كلمة واحدة فقط» عند سؤاله عن قرار نقل السفارة الأميركية. وفيما لم يقل لنا ما هي «الكلمة»، أشار ساتلوف إلى أن ابن سلمان «انتقل بسرعة إلى الحديث عن العلاقات الأميركية - السعودية وكيف يستطيع البلدان العمل معاً للحد من تداعيات القرار واستعادة الأمل في عملية السلام الإسرائيلية ــ الفلسطينية».
فمن غير المنطقي أن يكون المدير التنفيذي لأحد أهم مراكز الدراسات العالمية جاهلاً بالعلاقات الإسرائيلية ــ السعودية الحميمة «الجديدة القديمة» التي لم تعد خافية على أحد، بل يعرفها المتابع وغير المتابع لسياسات المنطقة.
وعلى الرغم من أهمية المقال، إذا نظرنا إليه كإثبات آخر يُدين الرياض ويكشف زيف ادعاءاتها «كحامية العروبة والإسلام»، ولكن الهدف منه ليس الإدانة ولا حتى إحداث «صدمة» وإنما العكس تماماً.
فنظراً لتزايد الحديث عن الاجتماعات «السرية» بين السعودية والكيان الصهيوني، فإن كلام ابن سلمان ليس «صادماً» بالنسبة إلى معظم العالم العربي، ولا سيما الشارع الفلسطيني الذي كان شاهداً على حرق صور الملك سلمان وابنه وسامعاً للهتافات التي تتهم الرياض بالخيانة والعمالة في الأيام القليلة الماضية.
أما «الإدانة»، فمن الواضح أن ساتلوف انضم، إلى جانب الصحفي الأميركي الشهير توماس فريدمان وغيره، لنادي معجبي محمد بن سلمان، إذ تحوّل مقاله فجأة إلى قصيدة مدح فيها الأمير «السياسي الماهر بالفطرة» مشبهاً إياه بالرئيس الأميركي السابق بيل كلينتون «من حيث القامة والكاريزما»، ومسلطاً الضوء على «تواضعه» قائلاً: «عندما انتهى الاجتماع، وقف وصافح الجميع مودعاً وظل واقفاً حتى لم تبقَ أيدٍ لم يصافحها».
فالرسالة التي حاول ساتلوف إيصالها من خلال تجاهله التظاهرات التي خرجت في جميع البلدان العربية والإسلامية من جهة، وإبراز السعودية كالممثلة الوحيدة الحقيقية والشرعية للإسلام من جهة أخرى، هي أن العرب عامةً والمسلمين خاصةً تخلّوا عن القدس وفلسطين. وتتجلى هذه الرسالة بوضوح في الفقرة الأخيرة من مقاله، التي يقول فيها:
«... من توقع أن تكون ردة فعل الدول العربية والإسلامية على الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل مروعة، وتنبأ بخروج بحر من التظاهرات المناهضة للولايات المتحدة وتعرّض المواطنين الأميركيين لاعتداءات والمؤسسات والمصالح الأميركية لأعمال شغب في هذه الدول، وحذّر من نهاية النفوذ الأميركي في المنطقة، كان مخطئاً تماماً. فردّة الفعل في الدول العربية الحليفة للولايات المتحدة كانت بشكل عام رصينة ومتزنة وناضجة. المملكة العربية السعودية، مهد الإسلام، هي خير مثال على ذلك».
(الأخبار)