تنتمي الثعالب إلى فصيلة الكلبيات (التي تضم الذئاب وبنات آوى والقيوط والكلاب وهي أصغر هؤلاء..)، من جنس الثعلبيات، أوسع أنواع اللواحم البرية انتشاراً حول العالم. ويوجد من الثعلبيات اثنا عشر نوعاً أشهرها الثعلب الأحمر (Vulpes vulpes) والثعلب القطبي (Vulpes lagopus).هناك 46 نوعاً فرعياً للثعالب الحمراء جرى التعرف عليها لغاية اليوم، آخرها كان في عام 2010 في وادي ساكرامنتو في كاليفورنيا Sacramento Valley. وقد تم العثور على أقدم أحافير الثعلب الأحمر في المجر وتعود للعصر الجليدي البليستوسيني المبكر (2.6 مليون – 11,700 عام).

التواصل والكشف

على الرغم من اسمها فإن فراء الثعالب الحمراء ليس دائماً أحمر بل يتمايز أحياناً بين البني الداكن المائل إلى الحمرة مع ألوان أخرى والذي يتمايز لوناً وكثافة بين نوع وآخر، وشكل رأسها الصغير والمستدق نحو الأنف (الرأس لدى الإناث أصغر منه لدى الذكور) وأذنيها المثلثة الشكل الطويلة المتمايزة بين نوع وآخر وقصر قوائمها نسبياً وذنبها الطويل (يزيد عن نصف طول الجسد) الكثيف الفراء وهو ما يجعلها تبدو أكبر من حجمها الطبيعي، وهي سريعة وتمتاز بمرونة حركتها وهو ما يسهل عليها المباغتة. وبإمكان الثعالب الحمراء أن تعدو حتى سرعة 49 كلم في الساعة (لفترات ليست طويلة).
تمتاز بحاستي بصر وشم قويتين وكذلك حاسة سمع قادرة، بعكس الثديات الأخرى، على التقاط الأصوات ذات الترددات المنخفضة مما يسمح لها بالكشف عن الحيوانات الصغيرة التي تحفر تحت الأرض وهي تعتمد على هذه المقدرة بشكل أساسي في الشتاء للبحث عن الفئران وغيرها من القوارض التي تنشط تحت طبقات من الثلج (هناك دراسة حديثة مثيرة حول استخدام الثعالب المجال المغناطيسي للأرض في تحديد وجهة وثبها الذي تشتهر به).
وتتواصل الثعالب مع بعضها بطرق عدة وهي تستعمل تعابير الوجه بالتزامن مع اتخاذ وضعيات مختلفة لأذنيها وذيلها، وتطلق أصواتاً تمتد بترددات ممتدة (خمسة أوكتاف Octave)، وللبالغة منها 12 نداء مختلفاً ولصغارها ثمانية وتشمل هذه النباح والعواء. وعلى الرغم من انتمائها إلى الكلبيات، على ما سبقت الإشارة، فإن لديها العديد من الخصائص المشتركة مع القطط.

ثعالب المنطقة

ينشط في لبنان وبلاد الشام أربعة أنواع من الثعالب الحمراء: الثعلب الأحمر ( يسمى أيضاً الثعلب الأحمر الفلسطيني Vulpes vulpes palaestina) والثعلب الأحمر العربي (Vulpes vulpes Arabica) ويعدان الأكثر نشاطاً في لبنان، والثعلب الأحمر التركماني (Vulpes vulpes flavescens) في سوريا، وثعلب بلاندفورد ويعرف أيضاً بالأفغاني (Vulpes cana) وينشط في جنوبي فلسطين. بالإضافة إلى خمسة أنواع مختلفة من الثعالب تجوب الشرق الأوسط وشمال إفريقيا.
وعلى الرغم من كثرة الدراسات التي حظيت بها إلا أن أموراً عدة، لا زالت تتكشف عن الثعالب الحمراء، ففي عام 2014 نشرت مجلة Molecular Ecology (السنة 23، العدد 19) دراسة شارك في إعدادها عدد من الباحثين البيولوجيين من جامعات عدة واعتبرت الأوسع حينها في تناولها جغرافيا انتشار أنواع الثعالب الحمراء حول العالم وهندستها الوراثية، وبعد تحليل تسلسل المصورات الحيوية الميتوكوندريا mitochondria لألف ثعلب أخذت كعينات من مختلف مواقع انتشار أنواعها، ظهر أن كل هذه الأنواع الفرعية إنما تعود إلى الثعلب الأحمر الذي جاب المنطقة (الشرق الأوسط حالياً) منذ مئات آلاف السنين وتنقل بين قاراتها.

تهاجم الثعالب صغار الخنازير البرية المخربة وهو دورٌ حيوي لتقليل أعدادها

وبالنظر إلى هذا التاريخ البيولوجي الطويل أدخلت تصنيفات عدة ضمن أنواع الثعلب الأحمر لعل أهمها الثعالب الشمالية وهو ما يقصد به القسم الشمالي من الكرة الأرضية وثعالب القسم الجنوبي منها وهي تتمايز بالبنية ولون الفراء. وبسبب التباعد المبكر بين الثعالب الحمراء في العالم القديم والعالم الجديد، اقترح إحياء الاسم العلمي القديم للثعلب الأحمر في أمريكا الشمالية (Vulpes fulva).

زيادة مشاهدات «العربي»

يتمايز شكل وحجم أنواع الثعالب الحمراء نسبة للمنطقة والمناخ مما يسهل تكيفها. فالثعالب المستوطنة في المناطق الجنوبية من الكرة الأرضية هي أصغر حجماً من تلك التي تعيش في المناطق الشمالية في أوروبا وأميركا الشمالية، على سبيل المثال. وقد يبلغ حجم الثعلب الأحمر الأوروبي ضعف حجم الثعلب الأحمر العربي الذي يمتاز بأذنين كبيرتين وبنية نحيلة وقوائم أطول نسبياً وأقل كثافة في الفراء تسهل عليه الحركة والتعامل مع قسوة المناخ وندرة الطعام. فيما تأتي الأنواع التي تعيش في الوسط بين الاثنين حجماً.
وفي لبنان يوجد الثعلب الأحمر والأحمر العربي ويمكن تمييزهما بالبنية حيث الأخير نحيل ولديه أذنان كبيرتان ورأس أصغر مستدق وفراء أقل كثافة على الجسم والذنب. وقد لوحظ زيادة مشاهدات الثعلب الأحمر العربي (الصورة) في الجنوب اللبناني وفق توثيق جمعية «الجنوبيون الخضر». والأرجح أن مرد ذلك يعود بشكل أساسي إلى التغيرات المناخية وانحسار الموائل وتداعيات ذلك على سلوك الثعالب وهو يطرح سؤالاً حول تغير وانتقال الثعالب إلى موائل جديدة بشكل عام، علماً أن الثعلب أظهر قدرة كبيرة على التكيف مع المتغيرات في محيطه وهذا يفسر انتشاره الواسع.

نظامها الغذائي ودورها

تمتاز الثعالب بسمعها الثاقب ومرونة حركتها وسرعتها ونشاطها وهي تصيد فردياً. وعلى الرغم من أنها من رتبة اللواحم فإن نظامها الغذائي لا يقتصر على اللحوم، فهي حيوانات حميتها تتسع لتشمل أصنافاً مختلفة من الفقاريات واللافقاريات والثديات الصغيرة وأحياناً صغار الثديات الكبيرة، أنواعاً عدة من الفواكه مثل العنب والتفاح وأيضاً الجذور. فالثعالب تقتات الطيور وبيوضها والأرانب وأنواع القوارض المختلفة والزواحف الصغيرة والبرمائيات وكذلك الحشرات والديدان والأسماك والسرطانات. وفي ذلك تلعب دوراً في تنظيم أعداد كل هذه العناصر في النظام البيئي. وفي لبنان وبلاد الشام قد تهاجم الثعالب صغار الخنازير البرية وهو دورٌ حيوي للغاية تتشارك فيه مع بنات آوى والذئاب، وبنسبة أقل الضباع المخططة. بذلك تسهم الثعالب في تنظيم أعداد الثدييات العاشبة بما فيها الخنازير البرية (والتي سجل تزايد في أعدادها في بعض المناطق نتيجة لقتل اللواحم بما فيها الثعالب) وإن كان، وهو ما يعلب دورٌ في المحافظة على حيوية الغابة والمزارع على حد سواء. وينافس الثعلب على مصادر الطعام إبن آوى الذهب (Canis aureus syriacus) الذي يعد كذلك من أنشط الحيوانات اللاحمة في البرية اللبنانية، ويتشارك الثعلب وإبن آوى النظام الغذائي بنسبة كبيرة (أظهرت دراسات أنها قد تصل إلى 75%) وإن كانت حمية الثعلب أعم من اللاحم إبن آوى بشمولها على الفواكه والخضار وغيرها.

بالرغم من حذرها وحيائها، تعدّ الأكثر قدرة على التكيف في الأماكن الحضرية

واللافت أن الثعلب أظهر، في بعض تلك الدراسات التي عملت على مراقبة نشاط النوعين في المناطق المتشاركة، أن الثعلب اقتات أعداداً أكبر من الثديات الصغيرة من حيث الكمية الإجمالية النسبية فيما تجاوز إبن آوى الثعلب في أعداد الثديات الأكبر ومنها الخنازير البرية، وقد يحصل أن يتصادم النوعان في مناطق النشاط ولذلك يعمد الثعلب إلى تحاشي ذلك مغبة أن يكلفه حياته. والأمر ذاته ينطبق على العلاقة التنافسية مع الغرير الأوراسي (Meles meles) المتواجد في البرية اللبنانية والذي قد يقتات أحياناً على صغار الثعالب. ويعد الثعلب من اللواحم النشطة للغاية، إذ يواصل الصيد حتى بعد شبعه ويعمد إلى حفظ وتخزين طرائده تحت أوراق أو في حفرٍ غير عميقة. وهذا ما يجعله عاملاً بدوام كامل لحفظ توازن البرية إذا جاز التعبير.

حيوية لصحة الأماكن الحضرية

على الرغم من حذرها الشديد وحيائها، تعد الثعالب الحمراء أكثر اللواحم وأنواع الثعالب قدرة على التكيف في الأماكن الحضرية وبذلك تشكل مع بوم الحظائر المتكيفة كذلك من الطيور (على سبيل المثال لا الحصر) أفضل ناظم لصحة النظم البيئية في المدن والأرياف. وعلى الرغم من التهديد الذي تشكله للدواجن، وهذا أمرٌ يمكن تلافيه مع اعتماد وسائل حماية غير مكلفة، إلا أن دورها وأهميتها يتجاوزان أعباء ذلك بكثير. فالثعالب الحمراء وباعتمادها على الحشرات (الجراد والصراصير واليرقات والديدان..) والقوارض (فئران وجرذان..) بالإضافة إلى التقميم وأكل بقايا الطعام واللحوم والطيور الميتة تسهم في الحفاظ على صحة بيئة الأرياف والمدن وكذلك جودة ووفرة الحقول الزراعية من دون الحاجة إلى استخدام السموم التي لها آثار سلبية جداً على المنتوجات والتربة والمياه وآثار خطيرة على النحل وغيرها من الحشرات النافعة وعلى النباتات والأشجار وبالتالي على صحة المزارع والغابات.




بطاقة هوية

تتخذ الثعالب رفيقاً لمدى الحياة. وتمتد فترة تزاوجها بين منتصف كانون ثاني وآذار ويلعب المناخ دوراً في تحديد ذلك. في لبنان وبلاد الشام تكون الفترة عادة بين كانون ثاني وشباط . فترة الحمل بين 49 إلى 58 يوماً. وقد تحمل أنثى الثعلب بين ثلاثة إلى عشرة أجنة والمعدل الأكثر شيوعاً هو خمسة. يُسمّى صغير الثّعلب الهِجْرِس. وتزن عند الولادة بين 56 و110 غرامات، مغلقة العيون وآذان مطوية ومن دون أسنان. وفي فترة 13 يوماً تفتح عيونها وتعتدل أذنيها وتبدأ أسنانها بالظهور وهي تعتمد أثناء الأسابيع الأربعة الأولى على أمها وخلال عشرة أشهر تكون يكتمل النمو.






لحماية الدواجن

لحماية الدواجن من الثعالب، يفترض إحكام إقفال حظيرة الدواجن بشكل جيد. ويمكن أيضاً اعتماد سور خارجي على ألا يقل عن مترين فالثعالب قادرة على الوثب العالي والتسلق، والالتفات إلى أن يكون عمق السور تحت الأرض ما لا يقل عن 30 سنتم (وهذا يتناسب مع تسلل الغرير أيضاً). والأفضل اعتماد نصب أجهزة استشعار ضوئي ليلية موجهة على محيط الحظيرة، وهذا كفيل بإبعاد جميع الحيوانات الليلية التي تخشى الضوء (والصوت) وهذا ما ثبت نجاحه حتى في مواجهة القطط الكبيرة (النمور والأسود..). كذلك فإن اقتناء كلب في المزرعة أو المنزل يمنع اقتراب الثعالب وغيرها. وقديماً قيل، «لكي لا يموت الديب ولا يفنى الغنم، كان الكلب».







قتلها يهدد النظام البيئي

وثق مؤخراً قتل عدد من الثعالب وبنات آوى في مناطق مختلفة من لبنان، وعلى الرغم من أن قانون الصيد اللبناني يحظر ذلك، فإن استمرار مسلسل القتل العبثي هذا بحق الحيوانات البرية واللاحمة منها على وجه الخصوص سيؤدي إلى اختلال النظم البيئية البرية في لبنان خاصة أن هذه اللواحم هي الأكثر نشاطاً في البرية اللبنانية مع انحسار دور الذئاب الرمادية التي تناقص عددها بشكل كبير والذي بات نشاطها محصوراً بمواقع محددة. فيما تتعرض الضباع المخططة للقتل العبثي بحيث بات يخشى عليها من الانقراض عن البرية اللبنانية علماً أنها تعتمد أكثر في نظامها الغذائي على التقميم. وهو ما يجعل من بنات آوى والثعالب أنشط الأنواع اللاحمة على رأس السلسلة الغذائية في البرية اللبنانية. وبالتالي فإن قتلها والإخلال بأعدادها سوف يخلّ تباعاً بأعداد العناصر- الأنواع في المستويات الأدنى وفق مفهوم Trophic cascades البيئي في فهم توازن السلسلة الغذائية من أعلى إلى أسفل. وهذا يعني اختلال كامل النظم البيئية البرية حيث تنشط هذه اللواحم، مما سيؤدي إلى تزايد أعداد أنواع على أخرى ومن شأن ذلك أن يخلف آثاراً كارثية على صحة هذه النظم واستدامتها وبالتالي على صحة الغابات واستمرارها... وهو بالتالي سيؤثر على جودة التربة والمياه ونوعية ووفرة إنتاج الأراضي الزراعية أي أمننا الغذائي والمائي.