«فلسطين الحبيبة ستتحرّر». الشعار، مع صورة لمسجد الصخرة، رُفعا خلف الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصرالله وهو يُلقي كلمته بعد اعتراف الرئيس الأميركي دونالد ترامب بالقدس عاصمة للكيان الصهيوني. ولأنّ «القدس ليست نقطة للنأي بالنفس»، ولأنّه بعد مئة سنة من وعد بلفور «نشعر أنّنا أمام وعد بلفور جديد»، قدّم نصرالله رؤيته مُقسمة إلى ثلاثة أبواب.
إحاطة الرأي العام بمخاطر القرار الذي «سيُشكل حافزاً للجميع للتحرك وتحمّل المسؤولية»، مشيراً إلى أنّه خلال عقودٍ «كانت حكومات العدو تُحاول، بكلّ الأبعاد، أن تُصادر القدس». إلا أنّ الادارات الأميركية السابقة، «كانت، تحت عنوان رعاية السلام وإشرافها على المفاوضات، تُشكّل حاجزاً أو مانعاً أمام الاندفاعة الاسرائيلية. ترامب قال لهم: هذه القدس كلّها لكم». ما يعني أنّ «الحاجز الأميركي التكتيكي، انتهى». وإنطلاقاً من ذلك، عدّد نصرالله سبعة مخاطر للقرار «الترامبي»: مصير السكان الفلسطينيين في القدس الشرقية؛ مصير أملاك الفلسطينيين؛ ظاهرة استيطان هائلة وسريعة من دون ضوابط؛ توسع القدس باتجاه الضفة الغربية تحت شعار القدس الكبرى؛ ستكون المقدسات الاسلامية والمسيحية في خطرٍ شديد، «ويجب أن ندق ناقوس الخطر.

نصرالله: القدس
ليست نقطة
للنأي بالنفس


ولا يستغرب أحد أن نستيقظ في أحد الأيام، ويُقال إنّه كانت تجري حفريات تحت المسجد الأقصى، فانهار»؛ القدس هي قلب ومركز ومحور القضية الفلسطينية، عندما يتم إخراج القدس منها لا يبقى للقضية شيء، «وهذا برسم المؤمنين بالمفاوضات، التي أطلق ترامب الرصاصة الأخيرة عليها»؛ مصير الضفة الغربية والجولان ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا التي «ستكون كلّها مهددة إذا سُكت على القرار الخطير».
وفي دلالات قرار ترامب، فحدّث نصرالله عن استخفاف الرئيس الأميركي «بكلّ عواصم العالم وحكوماته من أجل اسرائيل». والرئيس الأميركي، ورجال إدارته، «يُدركون أيضاً أنّ في هذا إهانة واعتداء على مشاعر مئات الملايين من المسلمين والمسيحيين، لأنّ المدينة المقدسة تحمل هوياتهم وتمثل تاريخهم، وتمّ اعطاؤها لدولة صهيونية مصطنعة». من الدلالات أيضاً أنّ خطوة ترامب تُعتبر «خرقاً للقرارات الدولية التي رعاها الأميركيون أنفسهم. تريد أميركا من العالم أن يحترم القرارات، وهي لا تلتزم وتنسفها وتنسحب منها ساعة تشاء، ثمّ تحارب دولاً وشعوباً بحجّة أنها خرجت عن المواثيق الدولية. هذه أميركا التي تحاول أن تفرض نفسها على العالم المحكوم بشريعة غاب وأهواء الرجل في البيت الأبيض». ويقود ذلك إلى السؤال عن «قيمة حلفاء أميركا في الدول العربية والاسلامية؟ ويجب على جميع الشعوب أن تفهم جيداً أنّها لا تساوي شيئاً على الاطلاق بالنسبة لترامب والقيادة الأميركية، وكلّ ما عدا اسرائيل لا يتم الوقوف عند مصالحه وتمنياته». وأعلن نصرالله «أننا أمام عدوان أميركي سافر على القدس وأهلها ومقدساتها وهويتها، واستعلاء واستكبار قل نظيره»، وذلك يُرتب «على الجميع مسؤوليات». ولفت الى أنه في اليومين الماضيين أشار محللون اسرائيليون في معرض تقدير تداعيات قرار نقل السفارة الأميركية إلى القدس الى انه «لن يحصل شيء في العالمين العربي والاسلامي لأنّ الشعوب العربية نسيت فلسطين وكلّ بلد مشغول بنفسه».
الاقتراح الأول الذي قدّمه نصرالله هو «الاحتجاج والإدانة والتنديد ورفض العدوان الأميركي السافر. واعلان التضامن والوقوف إلى جانب فلسطين والقدس. هذا أضعف الايمان. ولا يستخف أحد لا بالموقف ولا بالبيان ولا بأشكال الشجب»، مشيراً تحديداً إلى التضامن عبر وسائل التواصل الاجتماعي. ودعا إلى التأكيد في الأيام والأسابيع المقبلة أنّ القدس عاصمة أبدية لفلسطين، «ومئات ملايين التغرديات ستنعكس على الادارة الأميركية، فيُدركون أنهم يواجهون رأي عام كبيراً». إضافةً إلى «إصدار البيانات والمواقف، وعقد اللقاءات والاجتماعات والندوات، وإقامة التظاهرات والاعتصامات. هي رسالة قوية في مواجهة العدوان وتضامن مع الشعب الفلسطيني الذي يقف في خطّ الدفاع الأول عن القدس». وبالحدّ الأدنى، «استدعاء السفراء الاميركيين في الدول العربية، وابلاغهم احتجاجا رسميا يُسجل للتاريخ. كلّنا مسؤولون أن لا نسكت».
أما الاقتراح الثاني، فاجراءات للضغط من أجل تجميد القرار الأميركي، «ولا شيء مستحيلاً مع الأميركان لأنهم يعملون وفق مصالحهم. قد يتهمونك بالإرهاب، ويفتحون خطوطاً معك، ويبعثون بالرسائل للتفاوض، إذا كنت قويا ومحترما». ودعا الى «وقف الاتصالات، السرية والعلنية، مع العدو. وقطع العلاقات الدبلوماسية مع اسرائيل واغلاق السفارات وطرد السفراء. ووقف كل خطوات التطبيع التي بدأت في أكثر من بلد عربي واسلامي، وخليجي بالتحديد. وأي خطوة تطبيع هي أعظم خيانة للقدس بعد الذي حصل». وشدّد على «إحياء قنوات المقاطعة العربية والتشديد بتنفيذها. ومن جملة الاقتراحات الاعلان عن إنهاء المفاوضات، حتى التراجع عن القرار الأميركي». وهذا الاقتراح «موجه إلى من يؤمن بالمفاوضات، أما نحن أصلاً، فلا نؤمن بهذا الطريق». وإذا لم يُتخذ هذا القرار، «فعلى القدس السلام». ودعا نصرالله جامعة الدول العربية ومجلس التعاون الاسلامي الى اصدار قرار واضح وملزم «باعتبار القدس عاصمة أبدية لدولة فلسطين، وليست قابلة للتفاوض». وحيّا ما دعا إليه «قادة فلسطينيون كبار الى انتفاضة جديدة. تصعيد عمل المقاومة والتوحد حول قرارها، أكبر وأهم وأخطر ردّ على القرار الأميركي. ولا يجب أن يُترك الشعب الفلسطيني وحده». والقيام بخطوات من هذا النوع، «سيجعل ترامب وإدارته يندمان ويُجمدان مفاعيل القرار». وحث الحكومات والدول العربية على «وقف التقاتل والصراعات الداخلية، والبحث عن معالجات سياسية» لأنّ «مقدساتكم وقدسكم وقضيتكم المركزية في خطر شديد». أما في لبنان، «فنحن جميعاً معنيون بمواكبة الحدث التاريخي، وبالقيام بالفعاليات التي تُعبر عن الاحتجاج والتضامن»، داعياً إلى تظاهرة شعبية كُبرى «يوم الاثنين، في الضاحية الجنوبية، تحت عنوان الدفاع عن القدس والمقدسات والتنديد بهذه الجرأة والعنجهية الأميركية». وفي الختام، ذكّر نصرالله أنّه «لدينا القدرة على تحويل التهديد إلى فرصة، والخطر إلى انجاز. كلّ ما قام به العدو، سابقاً، كان مجرد أعمال حمقاء تنقلب عليه وتؤدي إلى غير أهدافها، بفعل الصبر والثبات وعدم الخيانة. ما قام به ترامب تهديد كبير، يستطيع الفلسطينيون وكل شرفاء العالم أن يُحولوه الى أعظم فرصة».
(الأخبار)