هناك ثلاث تصنيفات شعبية أساسية للأجيال الحديثة قي جنوب أفريقيا من السكان الأصليين. نظام الفصل العنصري هو مقياس هذا التصنيف: أطفال الأبرتهايد، وأطفال مانديلا والأطفال الأحرار. التقسيم نفسه يمكن أن ينطبق على الموسيقى الجنوب أفريقية وفنانيها، الذين واجهوا بموسيقاهم هذا النظام في السابق، وأسهموا دون شكّ في إسقاطه.
هكذا ستنتمي فرقةThe Brother Moves On إلى الجيل الثاني، جيل مانديلا أو جيل التحوّل الذي شهد سقوط الأبرتهايد، وأتيح له، ضمن جملة التغييرات، أن يختلط بكافة الأعراق في المدارس، وفي الحياة اليومية، والشارع. أعضاء الفرقة المولودون في الثمانينيات، نجوا من الأبرتهايد، لكنهم لا ينكرونه وقد شهدوا المشكلات الاجتماعية الكثيرة التي استبدلت به. يفضّل أعضاء الفرقة إذاً، أن يطلقوا على موسيقاهم تسمية «موسيقى تحوليّة أو انتقالية» أو«موسيقى ما بعد الأبرتهايد» متخلّين بذلك عن أي نمط محدّد. لا تسلّم الفرقة نفسها حتى إلى الموسيقى تماماً. إنها ليست فرقة موسيقية، بقدر ما هي مجموعة فنية منفتحة على الفنون الأخرى كالحكاية، والفنون البصرية، والأزياء التي يطلون بها على المسرح، والشخصيات التي يخترعونها وترافقهم في فيديوهاتهم وأغنياتهم، ليصبح عملهم أشبه بمزج للفنون الأدائية بمجملها.

تعالج ثيمات معاصرة مثل
الجندرية والرجولة وتحمل نقداً اجتماعياً وطبقياً

إحدى أبرز شخصياتهم هي «مستر غولد» (Mr. Gold) في ألبومهم القصير الأول The Golden Wake عام 2012، الذي أضافوا إليه أغنيات جديدة عام 2015. إنه شخصية ثابتة تقريباً في أعمال الفرقة. لكن الألبوم يعدّ مرثية لهذا الرجل العادي، الذي يأتي من إحدى المناطق النائية إلى جوهانسبرغ سعياً نحو حياة أفضل. لن تهم قصّته جريدة أو تلفزيون، حال الكثير من الأفارقة الجنوبيين الذين رغم سقوط الأبرتهايد لا يزالون يتوقون إلى «أسطورة جديدة» (عنوان ألبوم الفرقة الطويل الأوّل/ 2013) لتخلّصهم من مشكلاتهم اليومية التي تعبّر عنها الفرقة مثل البطالة والفقر وانهيار الطبقة الوسطى. وقد تزامن إطلاق ألبوم «أسطورة جديدة» مع رحيل المناضل نلسون مانديلا، فاعتبر نبوءة لوفاته، خصوصاً أنه غلب عليه الطابع الرثائي، والموت. للفرقة ألبومان قصيران أيضاً هما ETA (2012) و Black Tax (2015) الذي يضم حتى الآن أغنيتين ستضاف إليهما أغنيات أخرى في الفترة اللاحقة، وكلها تتطرّق بميلانكولية أحياناً إلى أزمات الجيل الشاب؛ مثل انحسار فرص العمل والمستقبل والمعجزات لتصبح الكحول المخلّص الوحيد. تنقل الأغنيات هذا الجو المنتشر بين الشباب في جوهانسبرغ، فيما تعالج ثيمات معاصرة مثل الجندرية والرجولة وتحمل نقداً اجتماعياً وطبقياً. بين 2008 و2010، بدأت ملامح الفرقة تتضح شيئاً فشيئاً. مجموعة شبان عاطلين عن العمل ما كانوا يعلمون ما يفعلونه، ولا يملكون رؤية واحدة لما يريدون الوصول إليه. يقضون وقتهم في التجريب الموسيقي والصوتي وكتابة الكلمات، هم: سيابونغا مثمبو (غناء) وزليزوي مثمبو (غيتار)، وأياندا زليكيلي (باص)، وسيمفيوي تشبالالا (درامز)، ومباليكاييسي مثيثوا الذين يشاركون جميعاً أيضاً في الغناء، ويتعاونون مع فنانين وعازفين محليين. هذا ما حدد ملامح الفرقة من دون التقيد بأي تصنيف مسبق سوى التجريب الذي يشكل التوجه الأكثر وضوحاً لهم. هناك خلفيات كثيرة للفرقة وتأثرات فنية عالمية. استلهمت اسمها من شخصية تدعى Brother Mouzone (الأخ موزون، المشتق من اللغة العربية: الاتزان) في مسلسل The Wire الأميركي (2002 _ 2008)، الذي يغوص في المجتمعات الأفرو أميركية، متناولاً موضوعات الفقر والمخدرات والعنصرية وانهيار الطبقة العاملة في أميركا. لعل العنصرية، والظروف القاسية للمجتمعات السوداء في أميركا هي ما قد يدفع شباباً جنوب أفريقيين لأن يلاقوا أنفسهم في شخصية أميركية. تستعين The Brother Moves On بالأصوات الأفريقية، والصرخات والمرثيات الدينية التقليدية، واللغات الجنوب أفريقية الزولوية والكوسية إلى جانب الإنكليزية، سعياً إلى إحياء اللغات الأفريقية القديمة التي فقد الجيل الجديد التواصل معها. تضعها ضمن قالب موسيقي يراوح بين الروك وتأثيرات من الفولك والفانك وبعض الإيقاعات الراقصة والسريعة. تشبّعت الفرقة أيضاً من التجارب الموسيقية الغنية والمتنوعة في جنوب أفريقيا، أولها فرقة «باييتي»، وعازف الترومبيت هيو ماسكيلا، وآخرون ممن لم تنفصل موسيقاهم عن نضال بلادهم، وحملت رسائل سياسية من خلال تعبير مباشر، أو عبر توريات واستعارات بسبب الرقابة على الموسيقيين. تشديد ألقى بعدد كبير منهم في المنافي خارج البلاد مثل ماسكيلا، والمغنية ميريام ماكيبا التي عاشت في المنفى القسري لفترة طويلة، بعيداً عن بلادها، رغم أنها كانت تؤكد دائماً بأنها تغني الواقع لا السياسة. الفرقة التي انطلقت من داخل حانات وفضاءات مغلقة وصغيرة في جوهانسبرغ، وصلت شهرتها إلى خارج جنوب أفريقيا منذ سنوات. بعدما أقامت جولات عدة في الدول الأوروبية والعالمية، ستحط TBMO في بيروت عند العاشرة من مساء الأحد 10 كانون الأول (ديسمبر) في KED. إنها فرصة للتعرّف على أسلوب وشخوص الفرقة التي ستقدّم عرضاً أدائياً مكتملاً ومنفرداً، يختلف عن أي عرض سابق أو لاحق للفرقة.

* The Brother Moves On: ــــ 10 كانون الأول ــ س: 22:00 ــ KED