22 عاماً عاشتها عازفة العود أمل وقار على قاعدة «والضِّدُّ يُظهرُ حُسنَه الضِّدُّ»، منذ ولادتها لأب عماني وأمٍّ أميركية، مروراً بتجربة رفض والدها أن تتعلَّم على أي آلة موسيقية، إذ كان يُصرّ أن عليها الالتفات لدراستها في المدرسة الثانوية بشكل أكبر، ومن ثم فرحتها بقبوله شراء عودٍ لها التي لم يكن لها ذلك الرَّونق لولا تعنُّته في البداية، ورضوخه تالياً لرغبتها بعدما أخبرته بأنها ستموت إن لم تعزف على العود، وكانت حينها في الخامسة عشرة من عمرها، لتستمر الأضداد في حياتها.
بعدما تعرفت على الأستاذ سالم المقرشي، وانضمت إلى الجمعية العمانية لهواة العود التابعة لـ «مركز السلطان قابوس للثقافة والعلوم»، وبدأت التعلم على يديه إلى جانب كل من الأساتذة فتحي محسن البلوشي، الدكتور مدثر أبو الوفا وسميح محجوبي، فإن شغفها بالعود كآلة متميزة في أداء المقامات الشرقية لم يَحُلْ دون اندهاشها بموسيقى الجاز والـneo-soul والموسيقى الإلكترونية، واشتغالها فيما بعد على المواءمة بين جماليات «صُنِعَ بِسِحْر» بشقَّيها الشرقي والغربي مع دمجها بتقنيات معاصرة. عن ذلك تقول أمل: «رغم أن أساتذتي نصحوني بالتركيز والاستماع إلى أم كلثوم ومحمد عبد الوهاب بعدما شاهدوا تَعلُّقي بموسيقى الجاز، إلا أنني صمَّمت في قرارة نفسي أن أعزف على العود ولكنّ شيئاً يشبه موسيقى الجاز، وهو ما دفعني للسفر إلى أميركا لتعلم خبرات جديدة. فأنا أحب العود لأن فيه عمقاً كبيراً، وصوته صافٍ جداً يقودك إلى قلبك. وعندما بدأت أعزف العود بشكل جيد، صرت أشعر كأن روحي تبكي، وشعوري ذاته يتكرر حيال معظم الآلات الموسيقية العربية. لكن هذا لم يمنع محاولتي مزج الموسيقى الشرقية مع الجاز أو الروك أو الموسيقى الإلكترونية، فلدي الكثير من الأفكار تدفعني لاتباع أكثر من طريق، وبرأيي أن هذا ممتع جداً، حيث أنني أقوم باقتراح موسيقى تقليدية مع وسائل اتصال معاصرة، وهو ما يتقاطع مع خطوط فنية كثيرة».

إدخال ومضات صغيرة من موسيقى الغرب في معزوفاتها

شدَّة وَلَه أمل بآلة العود جعلها، كنوع آخر من مُفارقات حياتها، تترك السنة التحضيرية في القانون والعلوم السياسية بعد نيلها شهادة البكالوريا الدولية من كلية أوبرلين، وتنتقل في 2016 إلى «جامعة بيركلي للموسيقى» في بوسطن، بعدما درست الموسيقى لبعض الوقت مع جيمي حداد ووجيه آشبي. لكنَّها ظلَّت مُحافظةً على همِّها الإنساني ذاته، فاهتمامها السياسي كان مُنصباً على النِّساء المُستضعفات في الشرق الأوسط، ليصبح بعد دراستها الأكاديمية للموسيقى مُتجهاً نحو الكثير من الفنانين المغمورين في الوطن العربي الذين ــ رغم عظمة موهبتهم ــ لا يحظون بالكثير من الاهتمام ليتمكنوا من تحقيق بصمتهم الخاصة. إذ إن الفنانة وقار التي صدَّرتها وسائل الإعلام العُمانية بمانشيتات عريضة كأصغر عازفة وأول امرأة خليجية تتقن العزف على العود، ترى أنه مضى على ذلك زمنٌ بات فيه من الضرورة بمكان انتقال مثل هذا الاهتمام إلى عازفات وعازفين آخرين.
هذا الجانب الإنساني والحساسية العالية تجاه الآخر حَكَمَت على نَسَق أمل في التأليف الموسيقي، فالأضداد التي تُلاحقها لم تقتصر على النَّوع الموسيقي الذي تسعى للتميز من خلاله عبر إدغام العزف التقليدي على العود مع تقنيات إلكترونية مُعاصرة كنوع من أنواع «التكنو ميوزيك»، إنما تغلغلت تلك المُتناقضات أيضاً إلى مؤلفاتها. ها هي تُقدِّم معزوفتها «من الشروق إلى الغروب» ليصبح عزفُها بشفافيته أقرب إلى حركة شمس في سماء موسيقى العالم، ومن يُشاهدها وهي تعزف من مؤلفاتها سيدرك مباشرةً أنها تُصغي إلى نبضِها وتُلملِم شظايا روحها كنوع من تأكيد «الغفران والصداقة» بين الشرق والغرب، عنوان أحد ألحانها الذي يأتي فيه العود إلى مقدمة المشهد الموسيقي بحساسية عالية قال عنها المُبدِع السوري محمد عثمان أستاذ آلة العود والبزق في المعهد العالي للموسيقى في دمشق: «لم تعتمد أمل وقار على إبراز تقنيات مُعقَّدة في العزف بقدر اهتمامها بالمقطوعات التي ألَّفتها بالنوتات الطويلة ما يُعمِّق التأمليّة كعنصر جاذب في أعمالها. وإلى جانب إتقانها للعزف بالريشة الخليجية كتكنيك يميز تلك المنطقة، فإنها تسعى لإدخال ومضات صغيرة من موسيقى الغرب في معزوفاتها سواء الجاز أو البلوز أو غيرها، وهو ما يحتاج منها بذل مجهود أكبر للإلمام بخصوصية هذا اللون الموسيقي أو غيره باعتبار كل منهم علماً قائماً بحد ذاته وله الهارموني الخاص به».

* أمل وقار: الجمعة 8 كانون الأول ـــ س:22:00 ــــ KED