طمأن رئيس الجمهورية العماد ميشال عون اللبنانيين إلى أن الوطن «الذي حرر أرضه من العدو الإسرائيلي والتكفيري ليس وطناً تسهل استباحته، ما دام يعتصم بوحدته الداخلية». وفي خطاب ألقاه أمس عشيّة عيد الاستقلال، وجّه عون رسائل داخليّة وخارجيّة، مؤكّداً أن «لبنان لن ينصاع إلى أي رأي أو نصيحة أو قرار يدفعه باتجاه فتنة داخلية».
وقال عون في الذكرى الرابعة والسبعين للاستقلال: «هو يومكم أيها اللبنانيون، هو عيدكم، فلا تترددوا في الاحتفال به»، وأن «هذا العهد هو محطة من تلك المحطات (التي مرّ بها لبنان)، وأسعى جاهداً لتكون مشرقة».
وأشار رئيس الجمهورية إلى أنه أعلن في خطاب القسم، أنه «في طليعة أولوياتنا منع انتقال أي شرارة من النيران المشتعلة حولنا الى الداخل اللبناني، وأكدت ضرورة ابتعاد لبنان عن الصراعات الخارجية، والتزامه احترام ميثاق جامعة الدول العربية وبشكل خاص المادة الثامنة منه، لذلك انتهجنا سياسة مستقلة تماماً وتحاشينا الدخول في النزاعات ودعونا إلى الحوار والوفاق بين الأشقاء العرب ولما نزل، لأن، في الحروب الداخلية خسارة حتمية للمنتصرين، كما للمهزومين، ولا معنى للحالين، لأن الخسارة الكبرى تقع على الوطن». وأكّد أن «لبنان نأى بنفسه ولكنْ للأسف، الآخرون لم ينأوا بنفوسهم ولا بنفوذهم عنه.

نلتزم ميثاق الجامعة العربية، ولا سيّما المادة الثامنة منه


فمع بدء الحرب في سوريا بدأت التنظيمات الإرهابية تخترق حدودنا الشرقية وتتغلغل الى الداخل اللبناني محاولة السيطرة على ما أمكنها من مناطق، زارعة الموت والدمار عبر تفجيرات إرهابية طاولت كل لبنان، ونحن، على الرغم من انتصارنا على الإرهاب وتحرير أرضنا منه، ما زلنا نتساءل من أين جاء الإرهاب إلى لبنان؟ من أرسله؟ من موله؟ من سلحه ومن دربه؟ ولماذا؟ أليس لضرب الاستقرار وزرع الفتنة، وقد شهدنا مآل الأحوال في الدول العربية التي تمكنت منها تلك التنظيمات؟».
وركّز على الدور الإسرائيلي، قائلاً إن «إسرائيل على حدودنا الجنوبية منذ قيامها تاريخها مع لبنان حافل بالاعتداءات والحروب التدميرية، من اعتداءات الستينات والسبعينات الى اجتياحها للبنان في عام 1982 ووصولها إلى بيروت واحتلالها نحو نصف لبنان ثم انسحابها محتفظة بأجزاء من الجنوب، شنت خلالها سلسلة حروب تدميرية منها تصفية الحساب في عام 1993 وعناقيد الغضب في عام 1996 ومجزرة قانا الأولى، وتدمير محطات تحويل الكهرباء في عام 1999، حتى اضطرت الى الانسحاب في عام 2000 تحت ضغط مقاومة اللبنانيين، لتعود في عام 2006 وتشن حرباً جديدة ارتكبت خلالها أبشع المجازر ودمرت البنى التحتية بما فيها الجسور، كما دمرت أيضاً العديد من القرى وضاحية بيروت الجنوبية، ولكنها هذه المرة لم تستطع تجاوز الحدود». وأضاف: «إسرائيل اليوم تنتهك سيادتنا براً وبحراً وجواً بشكل مستمر غير آبهة للقرارات الدولية وتهددنا بحروب جديدة وتدمير جديد. أليس أجدى أن تبادر الأسرة الدولية الى مقاربة جديدة تقوم على الحقوق والعدالة وحق الشعوب في تقرير مصيرها، تعالج عبرها قضايا السلاح والتسلح والحروب؟».
وقال إن «لبنان كان يدفع أغلى الأثمان ويحاول جاهداً إبعاد شبح الفتنة، فالوطن الذي بذل الدماء سخية، شعباً وجيشاً، ضد العدو الإسرائيلي كما التكفيري، وسطّر بطولات وتضحيات في تحرير أرضه من الاثنين معاً، ليس وطناً تسهل استباحته ما دام يعتصم بوحدته الداخلية في وجه الفتنة التي هي الشر الأكبر»، مؤكّداً أن لبنان «في كل الحالات لن ينصاع إلى أي رأي أو نصيحة أو قرار يدفعه باتجاه فتنة داخلية، ومن يرِدِ الخير للبنان يساعده على تحصين وحدته لأنها صمام أمانه».
وتناول رئيس الجمهورية الأزمة الحكومية الأخيرة، قائلاً: «صحيح أنها عبرت، إلا أنها قطعاً لم تكن قضية عابرة، لأنها شكلت للحكم وللشعب اختباراً صادماً وتحدياً بحجم القضايا الوطنية الكبرى، يستحيل إغفالها والسكوت عنها». وسأل: «هل كان يجوز التغاضي عن مسألة واجب وطني فُرضَ علينا لاستعادة رئيس حكومتنا إلى بلده لأداء ما يوجبه عليه الدستور والعرف، استقالة أو عدمها، وعلى أرض لبنان؟ فالسيادة كلٌّ لا يتجزأ، سواء على الأرض أو في السياستين الداخلية والخارجية».
ووجّه رئيس الجمهورية رسالة إلى العرب، مؤكّداً أن «التعاطي مع لبنان يحتاج إلى الكثير من الحكمة والتعقل، وخلاف ذلك هو دفعٌ له باتجاه النار». وأكّد أنه «على الرغم من كل ما حصل لا تزال آمالنا معقودة على جامعة الدول العربية بأن تتخذ المبادرة انطلاقاً من مبادئ وأهداف وروحية ميثاقها، فتحفظ نفسها والدول الأعضاء فيها، وتنقذ إنسانها وسيادتها واستقلالها».
وتوجّه إلى «المجتمع الدولي المدرك لأهمية الاستقرار في لبنان، وأدعوه ليصونه من خلال التطبيق الكامل للعدالة الدولية». ودعا اللبنانيين لئلا يسمحوا للفتنة «أن تطل برأسها بينكم لأنها الدمار الشامل الذي لا ينجو منه أحد. وحدها وحدتكم هي المنقذ»، كذلك توجّه إلى الجيش والقوى الأمنية بالقول: «أنتم حراس الوحدة الداخلية وحماة الحدود، فكونوا دوماً جاهزين لأداء واجبكم والوفاء بقسمكم».