«عم يوزعوا إعاشات»، يقول سائق الأجرة العمومي، هازئاً من زحمة السير الخانقة، ومن تدافع «الفانات»، في الطريق المؤدية إلى «مطار رفيق الحريري الدولي». يشير بيده باتجاه التحويلة التي يسلكها الوافدون من بيروت للدخول إلى الشطر الجنوبي منها، ويعدد لنا أسباب الزحمة التي تلازم تلك المنطقة بفعل التصميم الهندسي السيئ وضيق المساحات بين أوصالها، وبفعل اتصالها الجغرافي مع المرفق الجوي الوحيد في لبنان. والعامل الأخير هو، برأي السائق، «المسبب الأول لتلك الزحمة». «اسمعي عمّي اسمعي. انضربت السياحة».
في الراديو، يتحدثون عن بيان وزارة الخارجية البحرينية الذي يدعو «جميع رعايا المملكة الموجودين حالياً في لبنان» إلى مغادرته فوراً، وعن الهواجس الأمنية الناشئة على أثر هذا البيان. «عم تسأليني ليش في عجقة هون الضهر. هيّاها». هكذا، وفي غضون دقائق قليلة، بدّل السائق رأيه بشأن مسببات الزحمة، وربط بين حركة السير الكثيفة إلى المطار وبين تلك الهواجس التي سببها بيان «الداخلية البحرينية»، وكأن طابور السيارات الطويل الذي يحاصرنا يؤوي بحرينيين فقط، أو خليجيين في أبعد تقدير.

ارتفاع عدد المغادرين متصل بزوّار «أربعين الإمام الحسين»

نقول له إن «الحركة طبيعية»، وإن أغلب المسافرين لبنانيون متجهون إلى العراق لإحياء مراسم أربعين الإمام الحسين التي تصادف يوم الجمعة المقبل، فيبدي شبه موافقة على هذا السيناريو، رافضاً في الوقت نفسه التخلي بالمطلق عن سيناريو الخوف والهرب من «المجهول» الذي يلوح في الأفق. ببطء لا يخلو من المزاحمة و«الزمير»، نعبر الأمتار القليلة المتبقية، ونجتاز حاجز الجيش بريبة من يدخل سجناً مركزياً. نصل إلى موقف السيارات في المطار الذي يكاد يخلو من العابرين، وهو مشهد يعتقد السائق أنه يثبّت وجهة نظره حول «خوف الناس»، متناسياً ربما أن تكلفة ركن السيارة في «باركنغ» المطار لساعة واحدة تخيف أياً كان. ندخل قاعتي الوصول والمغادرة ونترقب حركة المسافرين. يخبرنا رجل أمن أن «الوضع طبيعي» و«ما في شي»، على اعتبار أن حركة المسافرين داخل المطار «لم تتبدل» بالمقارنة مع حركة الأسبوع الماضي، أي قبل أن تتفجر أزمتا استقالة الحريري المفاجِئة، والتصعيد السعودي ضد لبنان.
المشهد لا يكفي. اتصلنا برئيس مطار بيروت، فادي الحسن، فأكد لنا بدوره أن حركة الدخول والخروج من لبنان وإليه «أكثر من طبيعية»، نافياً أن تكون الأحداث السياسية قد أثرت في الوقت الحالي على حركة المسافرين، أو على حركة شركات الطيران عموماً والخليجية منها خصوصاً، التي لم تُلغ أي من رحلاتها الجوية إلى بيروت حتى الساعة. ولتأكيد ما سبق، يطلعنا الحسن على إحصاءات حركة مرور المسافرين اليومية في مطار بيروت خلال الأسبوع الأخير (من 1 تشرين الثاني حتى السابع منه)، لمقارنتها مع إحصاءات حركة المرور خلال الفترة نفسها من العام الماضي (2016). يتبين، بالدرجة الأولى، أن حركة المرور في كلا العامين حتى الرابع من شهر تشرين الثاني، وهو تاريخ إعلان الرئيس الحريري استقالته، كانت متقاربة إلى حد ما، بحيث إن مجموع المسافرين خلال العام الماضي بلغ 17459، مقابل 19930 مسافراً خلال هذا العام. أما ما تبينه الأيام الثلاثة اللاحقة فهو تفاوت بين أعداد الوافدين إلى بيروت وبين المغادرين. فالجدول الإحصائي يشير إلى أن عدد الوافدين في السادس من تشرين الثاني 2017 مثلاً بلغ 11381 مسافراً، وهو ما يفوق عدد مسافري اليوم نفسه من العام الماضي (8727)، ما يثبت أن الأحداث لم تؤثر حتى الآن على حركة الدخول.
لكن، لا بد من الإشارة إلى تفاوت كبير تبيّنه إحصاءات السادس من تشرين الثاني الحالي، لناحية عدد المغادرين، حيث بلغ عدد هؤلاء هذا العام 18455 مسافراً، مقابل 9549 مسافراً في اليوم نفسه من العام الماضي، أي ضعف العدد تقريباً. بيد أن الحسن ينفي أن يكون هذا «نتيجة لتداعيات الظروف والتطورات الراهنة في البلد»، وما قد تسببه الشائعات الخاطئة من حالات خوف وهلع بين الناس. السبب الحقيقي هو «موسم توافد الزوار اللبنانيين إلى كربلاء» لأداء زيارة الأربعين التي يختلف توقيتها هذا العام عما كانت عليه في العام الماضي (عام 2016 صادف «الأربعين» في يوم 20 تشرين الثاني). من جهة أخرى، تشير مصادر في مصلحة الملاحة الجوية في مطار بيروت الدولي لـ«الأخبار» إلى أن تأكيد استقرار الوضع في حركة المطار «يحتاج إلى وقت أطول»، ولا يمكن حصره بأيام قليلة تلت أحداثاً قابلة للتبدل في أي لحظة، من دون أن تنفي في الوقت نفسه أن حركة الدخول إلى المطار والخروج منه هي في الوقت الحالي «بألف خير».