مرّ اليوم الرابع على إعلان الرئيس سعد الحريري استقالته من رئاسة الحكومة اللبنانية من المملكة السعودية، والبلاد تحاول لملمة تداعيات الأزمة السياسية المفتوحة. وفي مقابل عاصفة الجنون السعودية والمواقف التصعيدية الهوجاء تجاه لبنان والتهديدات ضد الشعب والحكومة، وضع الرئيس المصري عبد الفتّاح السيسي استقرار المنطقة في خانة الأولويات، مترجماً دور مصر المتقدّم في ضبط أزمات المنطقة وحرصها على استقرار لبنان، كما حرصها خلال السنوات الماضية على استقرار سوريا والعراق ومواجهة الإرهاب.وفي مقابلة له مع محطّة CNBC الأميركية، أكّد السيسي أن «مصر لا تنظر في اتخاذ أي إجراءات ضد حزب الله»، على الرغم من دعوات السعودية إلى فرض عقوبات على المقاومة اللبنانية وشنّ حربٍ على لبنان حكومةً وشعباً ومقاومة. ورداً على سؤال عمّا إذا كانت بلاده في صدد القيام بخطوات خاصة بها ضد حزب الله، قال السيسي إن «الحديث هنا يجب ألا يدور عن اتخاذ خطوات أو عدم اتخاذها، بل عن هشاشة الاستقرار في المنطقة»، مشيراً إلى أن «الوضع في المنطقة لن يحتمل مزيداً من الاضطراب».

داخليّاً، انعكس التنسيق العالي بين رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس المجلس النيابي نبيه بري، بضرورة التريث قبل اتخاذ أي إجراء دستوري في ما خصّ استقالة الحريري، إصراراً من عون على التشاور مع القوى السياسية الممثّلة في طاولة الحوار الوطني، ومع رؤساء الجمهورية والحكومة السابقين. ويمكن القول إن حصيلة اليوم التشاوري الطويل أمس أفضت إلى وجود إجماع عام على التريّث، وعدم اعتبار استقالة الحريري نافذة، طالما أن عون لم يستمع إلى رئيس حكومته ويفهم منه أسباب استقالته. وبالتالي، فإن المطلوب قبل أي شيء آخر معرفة مصير الحريري، المنقطع عن «الاتصال السياسي» مع الرئاسة والحكومة وتصل أخباره الشخصية بشكلٍ متقطع إلى عائلته ومقرّبين منه. وعلّق برّي أمام زوّاره أمس على التطوّرات، مؤكّداً التفاهم التام مع عون، بهدف صياغة الاستقرار والوضع الداخلي. وقال برّي إن التريّث الآن مفتوح و«هذا الأمر عند رئيس الجمهورية الذي ينتظر عودة الرئيس الحريري قبل بتّ أيّ شيء»، مؤكّداً أن «الاستقالة ليست نافذة لأنها لم تقدّم وفق الأصول، والحكومة لا تزال قائمة، والوزراء كاملو المواصفات». وأكّد بري «أننا أمام سابقة في لبنان لم يسبق لها مثيل، من حيث الطريقة التي قدمت فيها الاستقالة من خارج الحدود». وردّاً على سؤال حول ما يحصل في السعودية، قال رئيس المجلس: «ما يحصل في السعودية هو شأن سعودي لا يعنينا.

الرئيس المصري: الوضع في المنطقة لن يحتمل مزيداً من الاضطراب

ما يعنينا هو عودة رئيس حكومتنا». وحسم بري أن «الانتخابات النيابية حاصلة في موعدها، ولا تحتاج إلى اجتماع الحكومة»، قائلاً إن «الجو أكثر ملاءمة لإجراء الانتخابات لأنها تنتج صورة سياسية جديدة».
مطّلعون على أجواء عون وبرّي أكّدوا لـ«الأخبار» أن الموقف العام للرئيسين، بالتوافق مع فريق الحريري والقوى السياسية الرئيسية في البلاد، يتجّه نحو استمرار حالة التريّث إلى أبعد حدٍّ ممكن، وأن رئيس الجمهورية وحرصاً على وحدة البلاد وتجنيبها الأزمات الكبرى، باستطاعته تأجيل بتّ الاستقالة والتعامل مع الحكومة وكأنها لا تزال موجودة، بانتظار المستجدات. وبالتالي، فإن الحديث عن استشارات نيابية وتكليف رئيس جديد للحكومة سابقٌ لأوانه. والهدف من هذا الدفع هو كسب الوقت بانتظار عودة الحريري، وعدم إعطاء ذريعة لمن يريد نقل الانقسام إلى الداخل اللبناني، بترك الأمور في إطار المواجهة الوطنية مع حملة خارجية تستهدف استقرار البلاد.
الوضع الحالي يضع الرئيسين أمام احتمالين؛ ففي حال عدم عودة الحريري قريباً، سيظلّ الثنائي متوافقاً على اعتبار استقالته غير نافذة، مع استمرار الضغط على الدول الكبرى والدول الإقليمية لإعادته إلى لبنان. أمّا في حال عودته إلى لبنان وتقديمه استقالته رسميّاً لرئيس الجمهورية، فإن المرجّح إعادة تكليفه بتشكيل الحكومة الجديدة، مع صعوبة تشكيلها بسبب رفض السعودية إشراك حزب الله فيها. وبالتالي، فإن المرجّح أن يبقى الحريري رئيساً مكلّفاً حتى موعد الانتخابات. أمّا في ما خصّ مسألة تشكيل حكومة «تكنوقراط» أو حكومة جديدة من دون حزب الله، فإن هذا الأمر لا يبدو وارداً مطلقاً تحت أي ظرف، كما يؤكّد لـ«الأخبار» أكثر من طرف سياسي معني. وأكدت المصادر أن «الحديث عن تشكيل حكومة من دون حزب الله هو رضوخ للضغط السعودي والإسرائيلي، وبمثابة جلب الفتنة إلى الداخل اللبناني، وهو ما سيواجهه جميع اللبنانيين».