نجحت أجواء التهدئة في احتواء انعكاس أزمة استقالة رئيس الحكومة سعد الحريري على سعر صرف الليرة مقابل الدولار، إذ لم تشهد سوق القطع حال هلع، ولم يسجل حصول تحويلات إلى الخارج. أما مؤشرات الصمود في مواجهة أزمات كهذه، فلا تزال تعكس تماسكاً في بنية النظام المالي القادر على مواصلة دعم سعر صرف الليرة من دون استنزاف واسع لاحتياطات مصرف لبنان بالعملة الأجنبية.
هذه كانت خلاصة مجريات أمس في سوق القطع، والتي اطلع عليها الرئيس ميشال عون في اجتماع دعا إليه وزير المال علي حسن خليل وحاكم مصرف لبنان رياض سلامة ورئيس جمعية المصارف جوزف طربيه. وبحسب مصادر القصر الجمهوري، تبيّن أن الطلب على الدولار لم يتجاوز 400 مليون دولار، أي أقلّ من التوقعات التي كانت سائدة في الساعات التي تلت إعلان استقالة الحريري.
وقالت المصادر إن سلامة عبّر عن اقتناعه بأن هذا المستوى من الطلب «مقبول» قياساً إلى الأزمة الحاصلة، و«يمكن استيعابه»، ولا سيما أن يوم أمس كان الأول في سوق القطع بعد نشوب الأزمة، ما يعني أن وتيرة الطلب ستتراجع في الأيام المقبلة في ظل استمرار أجواء التهدئة.

الطلب على الدولار أقلّ من التوقعات ولم يتجاوز 400 مليون دولار


ويستند هذا الاقتناع إلى أن ما سُجّل من طلب على الدولار أمس أمر اعتيادي يلجأ إليه المودعون عند نشوب الأزمات، وهو يصبح سلوكاً مقلقاً عندما يتحوّل إلى نمط سوقي يترجم هروباً للأموال إلى الخارج، أي أن يصبح القصد من تحويل الأموال من الليرة إلى الدولار هو إخراجها من لبنان، خلافاً لعملية التحوط التي يقوم بها المودع اليوم، إذ لم يسجّل هروب ودائع من لبنان. وهذا هو المؤشّر الأساسي الذي تجب مراقبته أثناء الأزمات، لأن هروب الودائع يأتي بعد انهيار الثقة والأمان السياسي والاقتصادي.
مصادر القصر قالت إن «الهدف من الاجتماع متابعة ردات الفعل في السوق»، وبناء على رغبة عون في إظهار «حالة التضامن السياسي بين أركان الحكم والتشاور في ما بينهم ووضع المعطيات على طاولة واحدة بعد هذه الأزمة».
كبير الاقتصاديين ومدير قسم البحوث والدراسات الاقتصادية في بنك بيبلوس نسيب غبريل قال لـ«الأخبار» إنه لا يمكن قياس الحدث الحالي بثلاثة أحداث كبرى عصفت بلبنان منذ 2004، وهي اغتيال الرئيس رفيق الحريري (2005) وعدوان تموز (2006) وانسحاب وزراء المعارضة من حكومة سعد الحريري (2011)، ما أدى إلى إقالتها. فبعد اغتيال الحريري، سُجل طلب كبير على الدولار بلغ 5% من مجموع الودائع واستمرت وتيرته لشهرين. وأثناء عدوان تموز، سجل الطلب على الدولار 3% وانتهى مع انتهاء الحرب في منتصف آب. وفي الحالتين، كانت هناك فترات طويلة من الطلب على الدولار بقصد تحويل الأموال إلى الخارج. أما في الحالة الثالثة، أي بعد انسحاب وزراء من الحكومة، فقد بلغ الطلب 1% من الودائع أُخرجت من لبنان.
ويرى غبريل أن «الحال الراهنة لا تندرج في المستوى نفسه مع الحالات الثلاث»، لافتاً إلى أن الطلب «كان مقبولاً اليوم (أمس)» رغم أن «القلق الحاصل لا يتعلق أبداً بالحدث الراهن، بل يتمحور حول عناصر محلية داخلية تتعلق بمصير موازنة 2018 واحترام المهل الدستورية في تقديمها، والاستمرار في حكومة تصريف أعمال ومسألة تفعيل ملف النفط والغاز». وأعرب عن اعتقاده بأن «ميزان المدفوعات لن يتأثر بهذه الأزمة، بل سيؤثّر عليه تراجع الصادرات والواردات السياحية وتقلص الاستثمارات، علماً بأن توقعات البنك الدولي تشير الى أن تحويلات المغتربين في 2017 تبلغ نحو 7.7 مليارات دولار».
فشل حملة التهويل التي قادها وزير الدولة السعودي لشؤون الخليج ثامر السبهان لا تلغي بعض ما علق في أذهان الناس عن وجود وديعة سعودية لدى مصرف لبنان يمكن التهديد بسحبها، أو وجود قدرة سعودية على دعوة مودعي الخليج إلى سحب ودائعهم من المصارف اللبنانية لزيادة الضغوط، أو سحب استثمارات أو ما شابه من أدوات التهويل المتداولة عند كل مفصل. ففي الواقع، ليست هناك وديعة سعودية في حسابات مصرف لبنان، وهي سحبت قبل سنوات، ولا يمكن السعودية أو أي دولة خليجية أن تدعو المودعين إلى سحب ودائعهم من لبنان، حيث يستفيدون من فوائد مرتفعة تحقق لهم أرباحاً سهلة وسريعة غير متوافرة في أي دولة في العالم، فضلاً عن أن السياسات المالية لبعض الدول تضع قيوداً كبيرة على الأموال الواردة، وقد تمنعها من الخروج في حال دخلت. أما سحب الاستثمارات فأشبه بنكتة سمجة لأن خروج الاستثمارات لا يتم بشحطة قلم، ويتوقف على القطاعات التي توظف فيها الاستثمارات، علماً بأن أي استثمار مربح ليس لديه اي حوافز للهروب.





للمقارنة والقياس

لدى مصرف لبنان احتياطات بالعملات الأجنبية بقيمة 35 مليار دولار وهي تقلصت أمس بقيمة 400 مليون دولار بسبب تداعيات أزمة استقالة الرئيس سعد الحريري. وللمقارنة فقط مع حادثة اغتيال والده الرئيس رفيق الحريري، فإن الاحتياطات كانت تبلغ قبل الاغتيال 9.7 مليارات دولار، ثم تراجعت خلال شهرين إلى 7.5 مليارات دولار، أي ما قيمته 2.2 مليار دولار.