قد يكون أقل القرارات مفاجَأة من بين مجموعة الأوامر الملكية التي صدرت مساء السبت، قرار استبعاد وزير الحرس الوطني (سابقاً)، متعب بن عبدالله بن عبد العزيز، من منصبه. منذ اعتلاء الوجوه الجديدة سدة الحكم في المملكة أوائل عام 2015، بدا واضحاً أن متعب واحد من الشخصيات «غير المحببة» إلى «السلمانيين»، والمطلوب استبعادها. مطلبٌ كانت الخطوات، طوال أكثر من عامين، تتتابع على طريق تحقيقه، حتى أصبح أمراً واقعاً بتوجيه الضربة القاضية إلى الأمير «عاثر الحظ»، النجل الثالث للملك الراحل، عبدالله. كان يُفترض، لو سارت الأمور على نحو ما خطط لها هذا الأخير ومعه مستشاره، خالد التويجري، أن يكون الابن الأشهر وليس الأكبر (خلافاً لما هو شائع) لـ«أبو متعب» (يُكنّى عبدالله بـ«أبو متعب» نسبة إلى ابنه الأكبر متعب الأول الذي توفي صغيراً) متربعاً الآن على كرسي العرش بدلاً من ولي العهد الحالي، محمد بن سلمان. لكن شاءت الأقدار، ومعها سمة الضعف التي تغلب أنجال عبد العزيز من زوجته فهدة الشمري خلافاً لأنجاله من زوجته الأخرى حصة السديري، أن يرحل الملك السادس من دون أن يضمن مآل الكرسي إلى ابنه. هكذا أضحى متعب، المتخرج في أكاديمية «ساندهيرست» العسكرية الملكية في المملكة المتحدة، لقمة سائغة لعمه سلمان ونجله.

مبكراً، بدأ عمل «السلمانيين» على توهين قوة الحرس الوطني، الذي رأوا فيه عقبة جدية، من بين عقبات أخرى، أمام إحكام قبضتهم على البلاد. ذلك أن تلك المؤسسة العسكرية التي راهن عليها عبدالله أيّما مراهنة، كانت لتمثّل عنصر تهديد متعاظم للحكم الوليد؛ بفعل امتلاكها عدة وعتاداً كاملَين ومتطورَين (قريبَين مما لدى الجيش)، وتَشكُلها من عناصر قبليين متشعبي الأنساب ومعروفين بالفظاظة. صحيح أن والد متعب لم يولِ، أول الأمر، عظيم أهمية للمؤسسة التي ولّاه عليها الملك الثالث، فيصل بن عبد العزيز، عام 1960، (كان فيصل، غير المنتسب إلى الجناح السديري، يخشى انقضاض فهد وبقية السديريين عليه. ومن هنا، جاء اهتمامه بالحرس الوطني لكسب عنصر قوة إضافية بوجه خصومه، واستقطاب الأجنحة الضعيفة داخل العائلة المالكة إلى صفه)، لكن نصائح مستشاره الأول، عبد العزيز التويجري (الموصوف بالدهاء)، حملته على تبديل رؤيته للحرس الوطني.
من هنا تحديداً، بدأت رحلة تقوية الحرس الوطني حتى يكون بمثابة رافعة لعبدالله الذي كان على خصومة دائمة مع فهد، ومن ثم لابنه متعب. عقَد عبدالله، بمشورة التويجري الأب، عدة صفقات مع الولايات المتحدة لتدعيم الحرس، لعل أبرزها الصفقة التي وُقّعت عام 2010، والتي أصبحت لدى هذه المؤسسة، من خلالها، مقاتلات «آباتشي» وطائرات «سيكورسكي 72» و«بلاك هوك». وفي عام 2012، أصدر عبدالله أمراً ملكياً بتحويل رئاسة الحرس الوطني إلى وزارة، وتولية نجله متعب على رأسها. عند هذا المفصل، بدا أن الحظ بدأ يبتسم للأمير المولود في قرية العليا في 12 أكتوبر 1953، وخصوصاً أن التويجري الابن (كان الأب قد توفي حينها) لم يبخل على الرجل بالنصائح وحتى بالدعم اللوجستي (دفع خالد بشقيقه عبد المحسن إلى وزارة الحرس الوطني حيث عُيّن نائباً للرئيس ومن ثم نائباً للوزير لمساعدة متعب في أداء مهماته).
لكن الرياح سارت، سريعاً، بغير ما يشتهي متعب ومستشاره. إذ إن رحيل عبدالله واعتلاء سلمان سدة العرش أتاحا، في أقل مما بين ليلة وضحاها، إطاحة التويجري، وبذلك قُطعت اليد اليمنى للبقية الأخيرة من إرث عبدالله. ثم لم يكد يمر شهر حتى صدر قرار باستبدال عبارة «القوات العسكرية» بـ«القوات المسلحة»، على أن تشمل الأولى «القوات العسكرية كافة». خطوة اعتُبرت إشعاراً بنية «السلمانيين» دمج وزارة الحرس الوطني بوزارة الدفاع. ثم جاء العدوان على اليمن بقرار «أحادي» لم يكترث لوجود متعب، ليعزز سخط الأخير على عمه وابن عمه، والذي كان قد عبّر عنه بانقطاعه، لفترة، عن اجتماعات مجلس الشؤون الأمنية والسياسية الذي كان يرأسه محمد بن نايف، ولاحقاً بامتناعه عن المشاركة في «مسرحية» التصويت لمصلحة تعيين محمد بن سلمان ولياً للعهد داخل هيئة البيعة، كما أشيع حينها.
إثر ذلك، بدأت تتوالى القرارات المعبّرة عن نية ابن سلمان حصر السلطات العسكرية والأمنية بيده، والتي ظهر واضحاً أن وزارة الحرس الوطني لن تسلم منها في نهاية المطاف. بدأ الأمر بتشكيل «مجلس الأمن الوطني» وإلحاقه بوزارة الداخلية، ومن ثم التمدد داخل جهاز المخابرات العامة، ولاحقاً، وها هنا الأهم، إنشاء جهاز «رئاسة أمن الدولة»، المتشكل من ست هيئات، والمرتبط مباشرة برئيس مجلس الوزراء.
اليوم، يخرج متعب بن عبدالله من وزارة الحرس الوطني خالي الوفاض، ملتحقاً بابن عمه، محمد بن نايف، الذي سبقه إلى الإقامة الجبرية. ثمة احتمالان اثنان من بعد ذلك: إما أن يقدم محمد بن سلمان على دمج وزارة الحرس الوطني بوزارة الدفاع ووضعها تحت سلطاته، وإما أن يتخذ قراراً بحل الحرس الوطني نهائياً. على أن الأرجح يبقى الاحتمال الأول؛ إذ إن المنطق يفترض أن لا يجازف ابن سلمان بخسارة ولاء القبائل التي ينتسب عناصر الحرس إليها. أما متعب، فالمتخيل أنه يستعيد، في مقر إقامته الجديدة، النكات ذات الصبغة السياسية التي كان يلقيها في المجالس العامة على سبيل المزاح، ساخراً من كونه أصبح أحد تطبيقاتها.
ذات مرة، قال متعب لأحد مواطنيه: «لقيت أرض؟ من كثر الشبوك ما تلاقي أرض» (يُقصد بالشبوك الأراضي التي يتم الاستيلاء عليها).