لكلٍّ ما يهمه من متابعة نتائج الاتفاق الايراني ــ الغربي. لكن للشعب الايراني، أولاً وأخيراً، حق التمتع بنتائج إنجاز كبير، عانوا وقدّموا لأجله التضحيات الكبيرة. ويجب أن يشعر الشعب الايراني، من الطلاب والجنود والعمال والعلماء بنتائج هذا الإنجاز. ولهم قبل غيرهم، وقبل أي أحد في العالم، حق الاستراحة ولو قليلاً من عناء المواجهات الكبيرة، لأن ما ينتظرهم في السنوات المقبلة قد يكون الأصعب في معركة الحصول على التقدم والرفاهية والمحافظة على السيادة الوطنية.
ما يجب أن يهمنا نحن، العرب قبل العجم، أن نتعلم هذا الدرس جيداً لأجل مواجهة نظام الهيمنة العالمي، الذي يقوده الغرب نفسه الذي اضطر إلى الخضوع أمس أمام إيران. والمهم أن نعيد قراءة الوقائع من حولنا، لنعرف ببساطة شديدة، أن عصر هيمنة الغرب على العالم قد دخل مرحلة الأفول، وأن استقلال الشعوب بات في متناول يد كل مظلوم. لكنه يكون أكيداً في متناول يد كل من هو مستعد للعمل المثابر، القائم على رؤية واضحة، واستعداد للتضحية، واستغلال كامل للعقل، وإنتاج قيادات موثوقة ووفية.
ما أنجزته إيران، وكيفية تعامل الغرب مع المفاوضات ثم مع الاتفاق نفسه، يجعلنا أمام حقائق دامغة:
ــ ربع قرن، منذ سقوط الاتحاد السوفياتي الى اليوم، مارس الغرب بقيادة الولايات المتحدة الهيمنة المطلقة على العالم. شنّت الحروب التي أبادت الملايين، وقهرت الشعوب تلو الشعوب، وتم تدمير مقدرات دول كبرى وصغرى. لكنه زمن دخل مرحلة الأفول. وصار هذا الغرب نفسه، عاجزاً عن مواصلة الجنون نفسه. بل صار مضطراً الى التراجع حتى لا يخسر كل ما كسبه بقوة الحديد والنار.
ــ ربع قرن، شهد انهياراً لأفكار ومعتقدات وشعارات وبرامج ونظم عمل وحكم، وخضع الجميع بذل، وساروا في العصر الاميركي. لكنّ جمعاً من بين هذا العالم، اختار طريقاً مختلفاً، ومارس اقتناعات مغايرة. وضع برامج عمل، وخاض التجارب، وقدم تضحيات جليلة، لكنه أثبت غير مرة أنه أجدى وأكثر فعالية، وأكثر استحقاقاً للحياة.

علينا الاستعداد لمرحلة جديدة في المواجهة قائمة على فكرة أن إسقاط الظلم بات في متناول اليد

ــ ربع قرن، انتهى بانتكاسات كبيرة للقاهر الاميركي، وانسحاب مستمر لجيش الولايات المتحدة من دول العالم، وتمرداً لحلفاء على الراعي الاكبر، وتفلتاً من قيوده. وأظهرت السنوات الاخيرة أن هوامش «جماعة أميركا» آخذة بالاتساع، بينما، كان محور المقاومة للهيمنة الاميركية يواصل صموده ومقاومته لكل أشكال العدوان.
بعد الذي حصل، علينا أن نتذكر أننا في بلد صغير مثل لبنان، نجحنا أيضاً خلال ربع القرن هذا في إفشال مشروع تحويل لبنان الى خادم مطيع وذليل للنظام العالمي الجديد. ونجحنا في إفشال المشروع الاسرائيلي لاحتلال لبنان، وأطلقنا مقاومة صارت نموذجاً يساعد أهل فلسطين وسوريا والعراق واليمن على مواجهة قوى الغرب وحلفائه من العرب.
ولذلك، وجب علينا أن نتجه صوب الوضوح أكثر. وعلينا فهم حقيقة أنه لا يمكن لنا الاستمرار في الرقص داخل دائرة رمادية، نبحث عن تسويات هنا وهناك، وأن نتحايل على أنفسنا لاسترضاء غرب مقيت، أو نظم عربية بائدة من أجل قطرة ماء. وعلينا الاستعداد لمرحلة جديدة في المواجهة، قائمة على فكرة أن الغرب ومعه أميركا، يشكلان قوة قادرة، لكن لا يشكلان قدراً، وأن إسقاط هذا الظلم بات في متناول اليد.
ليس أمامنا سوى العودة الى الارض، والتخلي عن الأوهام، ونزع الدونية المضمرة في نفوس كثيرين منا، وأن نَعي قدرتنا على مواجهة التحديات. ولم يعد صعباً التخلص من نظام الهيمنة العالمي، ولم يعد مستحيلاً إسقاط النظام الصهيوني في فلسطين، ولم يعد صعباً إسقاط ما تبقى من أنظمة الجهل والتخلف العربية.
ما أنجزته إيران مع الغرب، أمس، يعيدنا الى النقطة الاولى، الى حيث يجب أن ترتفع أصواتنا، وبملء حناجرنا، بشعار واحد:
الموت لأمريكا!