يحلم جميع الآباء والأمهات بإنجاب أطفال يتطورون بشكل صحي ومثالي مثلهم مثل باقي أقرانهم. ولكن ليس كل ما نحلم به يتحقق. فبعض الأطفال يتم التعرف إلى مشكلاتهم عند الولادة أو خلال الأشهر القليلة الأولى من حياتهم، بينما يظهر آخرون خصائص مركبة تجعل الآباء والأمهات في شك بين تصديق أن ابنهم لديه حاجة خاصة أو أنه مختلف وبين نفي وإنكار لأن هذا هو فلذة كبدهم فكيف يكون به سوء؟! من الطبيعي أن ينكر الأهل فهم يمرون بخمس مراحل لتقبل اختلاف ابنهم منذ لحظة ميلاده حتى معاناتهم في تسجيله في حضانة أو مدرسة ترعاه وتعلمه، وهذا لن يحدث إلا إذا نما الطفل في بيئة داعمة لنقاط قوته ومتقبلة لاختلافه.
ونقصد بالاختلاف أي شكل من أشكال التربية الخاصة بدءاً بالإعاقات الجسدية والحسية والتوحد والاضطرابات السلوكية والصعوبات التعلمية.
ما يميز هؤلاء الأطفال أن اضطراباتهم واختلافاتهم تولد بهم وتبقى معهم. هم ليسوا بمرضى سيشفون إن أخذوا دواء معيناً وهم ليسوا بآلة ستصلح إن تحطمت! لهذا نرى معاناة الأهل المستمرة مع أطفالهم. تراهم يعرفون أسماء الأطباء جميعاً مع عناوينهم ويزورون كل كنيسة وكل جامع ويدفعون الغالي والنفيس من أجل إصلاح الإعوجاج الذي يرونه في أبنائهم وهم مع هذا كله لا يعترفون أن أبناءهم بهم «علّة»!
لنفهم شعورهم والتخبط الذي هم فيه علينا معرفة المراحل التي يمر بها كل إنسان يتعرض لمصيبة أو مأساة أو موت أو ولادة طفل «مختلف». في البدء ننكر ونرفض فتقول الأم أنا لا أنجب طفلاً غير سوي، أنتم مخطئون ولا تدرون شيئاً وعجبي على الناس كيف تفكّر!
ثمّ تبدأ بالغضب والثورة فيعلو البخار رأسها عندما تتأكد أن ابنها لا يستطيع الرضاعة ولا المص ولا ينتبه لها أو يبتسم، أو أن يديه صغيرتان أو أن عينيه فعلاً لا تشبهنا! عندها فقط تصرخ الأم معبّرة عن الغضب العارم. ترتفع درجة ثالثة لتعبر عن حزنها فتبكي وتترجى ربها وتسأله بتعب لماذا يا رب؟ ولماذا أنا؟ ويبدأ الصوت يجهش والألم يحرق فيدخل الإنسان بالمرحلة الرابعة من الاكتئاب والضغط النفسي الذي قد يطول مع الإنسان أو يقصر، فتارة تمرض وتارة تيأس وتارة تبكي وتارة تضحك وتدخل في الكآبة الواضحة المعالم. وبينما هي على هذه الحال فإذا بابنها صار كبيراً وأصبح في الثالثة من عمره وتريد إدخاله إلى المدرسة فماذا تفعل؟ هنا تواجه الواقع وتشعر أنه يجب عليها أن تدخل مرحلة التقبل لأن أولى خطوات حل المسائل هي الاعتراف بالمشكلة. وعندما تعترف تبدأ بالتقبل. هنا عليها أن تحب ابنها وتقبله، ليس ذنبه ولا ذنبها أنه مختلف أو أن به عاهة أو تشوّهاً، ليس ذنبه أن لديه توحّداً أو اضطراباً ولا ذنبها أيضاً. عليها أن تتقبله كما هو وتساعده على اكتشاف ذاته وتكون إلى جانبه وتقدّم له اليد الناصحة التي توصله إلى بر الأمان وصولاً به إلى الاستقلالية وخدمة نفسه بنفسه، لا أن تحاول أن تخبئ عيبه واختلافه وكمّ فمه، بل أن تساعد مدرسته على إنجاح خططها التربوية والتعليمية والتعلمية عبر التقبل والتكيف.
كلنا لدينا هذه المراحل الخمس فلا تهتموا كثيراً بالوقوف على أول درجة ولا تأخذوا أبناءكم إلى المدرسة محمّلين المعلمات عبء عدم تطورهم. أبناؤكم لن يتطوروا ويتقدموا أكاديمياً وتربوياً وسلوكياً واجتماعياً وانفعالياً وحسياً إن لم تتقبلوا أنتم اختلافهم وتسعوا مع المدرسة لتطويرهم. اقبلوا أطفالكم واكبروا معهم. فقط سيروا إلى الدرجة الخامسة أنتم وأبناءكم.
* أستاذة علم النفس التربوي في الجامعة اللبنانية