اخترنا كتاب «أذى جانبي ـــ تاريخ شكل عجيب من الموت» ( C Hurst & Co Publishers Ltd) بسبب راهنية الموضوع، إذ نرى أنّ ما يسمى الأذى الجانبي أو الأذى العرضي، كثيراً ما تستخدمه الدول لتسويغ إخفاقاتها الاستخباراتية. فالحملات العسكرية الأخيرة في سوريا والعراق واليمن وليبيا وغيرها، قادت إلى خسائر هائلة بين صفوف المدنيين الذين ليس لهم علاقة مباشرة بالصراع، وهم ليسوا منخرطين فيه مادياً. لكن وجب عدم نسيان الخسائر المادية كذلك.لكن هل يمكن توصيف الجرائم الإرهابية التي تؤدي إلى خسائر بين صفوف المدنيين، على أنها أذى عرضي!
مختلف تلك الجرائم، سواء ارتكبتها المؤسسات الرسمية في الدول مباشرة أو عبر مرتزقة، أو تلك العائدة للتنظيمات الإجرامية الإرهابية، في حاجة إلى بحث مستفيض، وهذا ما قام به الكاتب فردرِك رُزن، الباحث في «المعهد الدنمركي للدراسات الدولية».
ثمة أعمال إرهابية لا تدخل جرائمها تحت هذا المصطلح، ذلك أن هدفها إلحاق أكبر أذى بمدنيين لا علاقة لهم بسياسات دولهم، وقد يكون منهم من هو معارض لها، بل حتى متعاطف مع القضية التي يدعي الإرهابيون على أنهم يمثلونها.

أنجز الكاتب عمله في بحث مغزى الأذى العرضي ومكانه في الثقافة الغربية، والمشاكل المرتبطة بهذا الجانب من الحروب. وقد قسم عمله إلى الأجزاء أو الفصول التالية: ضرب ثالث من الموت، الأذى العِرضي ومسألة المسؤولية القانونية، الأذى العرضي ومسألة التعويض، إزالة الضباب المحيط بالحرب والأذى العرضي، كيف يمكن للأمر السيئ أن يكون جيداً، موت من دون تضحيات، أذى عِرضي أم حادثة؟ نداء شخصي للأذى العِرضي؟ بمركز أو من دون مركز، مكان بينهم جميعاً.
يقول الكاتب إن هناك مأزقاً أو مشكلة عند الحديث عن قتل الأشخاص «الذين ندعي أننا أتينا للدفاع عنهم وإنقاذهم»، وهو ما يتجلى في ما يسمى عمليات حفظ السلام التي تقرها الأمم المتحدة حيث يقال إن هدفها حماية المدنيين.
لكن الحديث في موضوع الأذى العرضي محدود، دوماً بحسب الكاتب، إذ يتركز على حقوق المنتهكين أو المعتدين ومآلاتهم، ونادراً ما يهتم بمسألة معاناة الضحايا وآثار قتل المدنيين على كافة الصعد.
بكلمات أخرى، نحن نهتم بالمشكلة، أي بالأذى العرضي، لكن ليس بضحاياه، وهذا الإشكال أو هذه المفارقة هي سبب نشوء هذا المؤلف، طبعاً بكلمات الكاتب.

مقاربة الموضوع من منطلقات قانونية ولاهوتية وفلسفية

ثمة مسائل فلسفية مرتبطة بموضوع المؤلف. هو يطرح أسئلة ذات إجابات معقدة ومنها على سبيل الذكر: لماذا يصعب علينا بما لا يقاس عدّ قتل الأطفال أذى عرضياً؟ ومن الأسئلة الفلسفية الأخرى التي يطرحها الكاتب: ما طبيعة الادّعاء بقانونية [ارتكاب] الأذى العرضي؟ مَن الطرف الذي يحق له الفصل في الأذى العرضي؟
يضيف الكاتب إن مشكلة الأذى العرضي تفتح بوابات تقود مباشرة إلى علم اللاهوت والنظرية السياسية. فتعريف الأذى العرضي وشرحه وتسويغه يعني بالضرورة الإجابة عن السؤال: مَن يحكم العالم؟ المقصود هنا ــ يضيف الكاتب ـــ ليس الملوك أو الرؤساء أو الأباطرة، وغيرهم، وإنما بالعلاقة مع شكل شرعي للحكم وما الذي يشرعن القيام بأعمال عسكرية بهدف خلق عالم جديد أفضل.
يلاحظ الكاتب أنّ طرفين فقط ادعيا امتلاكهما شرعية إلحاق الأذى بالبشر وقتلهم وتدمير ممتلكاتهم، عبر حروب هدفها، وفق ادعاءاتهما، تأسيس عالم جديد أفضل من القائم. الطرفان هما الدولة المركزية الحديثة وأولئك الذي عينوا أنفسهم ناطقين باسم الخالق.
يقول الكاتب إنه في خضم البحث عن إجابات عن الأسئلة ذات العلاقة، فإنه يأخذ في الاعتبار جسد كل طفل مجهول قتلته قنابل المسيرات. كما يناقش كافة الذرائع المدافعة عن الأذى العرضي وتلك التي تهاجمه. هنا يتم البحث في مختلف المعايير التي يجلبها كل طرف دعماً لرأيه وموقفه، وتشريحها من مختلف النواحي الأخلاقية والسياسية والفلسفية واللاهوتية.
ويخلص المؤلف إلى أنّ الأذى العرضي المعتوق من المسؤولية ليس حقاً مكتسباً، وإنما ادعاء مختلق نمنحه لأنفسنا. ومع أن الأذى العرضي قد ترسخ في الممارسات والاتفاقات الدولية، إلا أنّه يبقى محاولة عقلنة واحتواء وتهدئة تصرف خاطئ وإثم وخطيئة وخطأ وشرير ولا أخلاقي.
أخيراً، يقارب الكاتب المشكلات المرتبطة بالأذى العرضي من منطلقات قانونية ولاهوتية وفلسفية.