ليست عبارة الرئيس القوي مديحاً. مرّ عام كامل على انتخاب العماد ميشال عون رئيساً للجمهورية، وثبت، بالملموس، أنه لا يشبه سابقيه، على الأقل، بعد الطائف. لم يحظَ رئيس للجمهورية قَبْله بهذا التأييد لشخصه. كانت الشعبية تصل إلى شاغل قصر بعبدا بالواسطة، عبر قوى حزبية أو شعبية تُحالفه. أما «الجنرال»، فحالة خاصة. يستند إلى تحالفاته، وتفاهماته، لكن نقطة قوته الأولى تنبع من كونه «المسيحي الأول».
عون ليس الرئيس القوي بشعبيته حصراً. ثمة ما تغيّر في «القصر». خصومه يوجّهون له اتهاماً فيه الكثير من الصحة، وهو أنه يعيد، بالأعراف، بعض ما خسرته رئاسة الجمهورية في دستور الطائف. وأنصاره يرون في هذه التهمة فخراً. يُنتقد العهد بأنه لم يلتقط لحظة التسوية الكبرى التي أدت إلى انتخاب الجنرال، ليُحدث صدمة إيجابية يلمسها اللبنانيون، على المستويات الاقتصادية والحياتية والإدارية. لكن مطلقي السهام في هذه النقطة يتجاهلون «قوة النظام» في لبنان، القادرة على طحن الأحلام، وتعطيل البرامج والمشاريع. غير الراضين بعون رئيساً يرون أن تياره دخل نظام المحاصصة، متناسين أنها باتت من بنْية الدولة، وأن الجميع يشحذون سكاكينهم ليل نهار، لاقتطاع حصصهم، وأن الخلل في الجهاز الإداري والقضائي والأمني والعسكري كبير إلى درجة أن جميع من شاركوا في حكم البلاد منذ ما قبل الحرب الأهلية بنوا «إقطاعياتهم» في الدولة، فيما كان التيار الوطني الحر خارج الحِسبة، وأن من الطبيعي أن يطالب اليوم بأن يتساوى مع الآخرين. صحيح أن التيار يغالي في بعض مطالبه، ذات الطابع الطائفي، لكن الشركاء الآخرين في منظومة الحكم ليسوا قديسي العلمانية. وبعضهم حصّل طوال السنوات الماضية «حقوقه» واقتطع لنفسه جزءاً من «حصة المسيحيين» في الدولة. وعندما يُطالب عون بها، يُصَوّر كمن ينتزع حق غيره.
بعد العام الاول من عهد الرئيس القوي، ثمة خيبة أمل لدى كثيرين ممن رأوا في رئاسة عون فرصة إصلاحية جدية؟ ربما. لكن هذا لا يعني أنه، وتياره، لا يحاولان التخفيف من وحشية النظام. يؤخذ عليهم أحياناً عدم استماعهم إلى كل الأصوات، ورميهم تهمة الفساد في وجه بعض منتقديهم، لكن، يبقى عون الرئيس الذي يسهل إيصال رسائل لفت النظر إلى مسامعه.
لا يُنكر المقرّبون من الرئيس اهتمام العهد، ممثلاً بالتيار الوطني الحر، بتحصيل ما يراه حقوقاً مسيحية. رُفع هذا اللواء في السنة الاولى من العهد، حتى طغى على ما عداه، وتجاوز في بعض المفاصل الخطاب السياسي الذي كرّسه تيار الرئيس منذ عام 2006. النموذج الأنضج يظهر في الأسلوب الذي تعامل به التيار مع قضية الحكم على الأمين حبيب الشرتوني. ما جرى بدا كلحظة تنتمي إلى زمن ما قبل التفاهم مع حزب الله. هي أقرب إلى انقلاب على مسيرة عون منذ لقاء مار مخايل. لكنه انقلاب شكلي، لا أكثر؛ ففي الجوهر، كان خيار المقاومة ثابتاً في السنة الاولى من العهد. حتى إن عون تجاوز بعض الخطوط التي يفرضها الموقع. سبق اقتناعه التزاماته البروتوكولية، فقال كلمته بلا خجل: المقاومة ضرورة لحماية لبنان. وفي تواصله مع المسؤولين العرب والغربيين، حافظ على صورة الرئيس المستقِل، الذي يرفض التعامل مع لبنان كدولة مُلحَقة.
قصارى القول إن عون أنهى السُدس الأول من ولايته، مؤكداً مركزية المقاومة في الحفاظ على الاستقلال النسبي للبنان. أعاد الاعتبار إلى دور المسيحيين في الدولة، لكن من دون أن يتمكّن من إعادة الاعتبار إلى دور الدولة نفسه. سبق أن قال إن حكومته الاولى ستكون بعد الانتخابات النيابية. وبذلك، فإن فرصة «تهذيب» النظام لا تزال سانحة أمام العهد، وتياره، وجمهوره، وأمام اللبنانيين جميعاً.