أطلق الانفجار الشمسي كميات هائلة من الأشعّة، وحصل ذلك بصورة غير متوقّعة وبنحو مفاجئ وعلى دفعات، على مدى ثمانٍ وأربعين ساعة. يطلق الانفجار الشمسي طاقة تعادل انفجار مليار قنبلة هيدروجينية في الوقت نفسه، ويطلق عواصف من الغازات الأيونية الساخنة بسرعات تصل إلى ألفي كيلومتر في الثانية.
تسمى هذه الظاهرة «كتلة الهالة المنبعثة» أوcoronal mass ejection، وتصل تأثيراتها إلى كوكب الأرض، ولكنّنا لا نلاحظ أثرها المباشر بسبب الغلاف الجوي الذي يحيط بالأرض ويحميها من الجزيئات والأيونات والإشعاعات المندفعة فتتكسر في طبقاته، ولا نكاد نلاحظ حصولها لولا بعض التأثيرات الأخرى. لكنّ تأثيرها خارج الغلاف الجوي غالباً ما يكون قويّاً، إذ يمكن أن يعطّل أو يؤثّر بعمل كل الأدوات التي توجد فيها مكونات كهربائية وإلكترونيّة ومغناطيسيّة. وتحديداً يظهر الأثر الأكبر على الأقمار الاصطناعية التي تدور حول الأرض، ومنها أقمار تحديد المواقع الجغرافية على سطح الأرض GPS، وكذلك موجات الراديو والإرسال الكهرومغناطيسي العاملة في الطبقات العليا للغلاف الجويّ. أما أثرها المرئي، فلا يظهر إلّا من خلال ظاهرة الشفق القطبي، حيث يستطيع سكّان المناطق القريبة من القطبين أن يروا أنواراً ولمعاناً ملوناً في الفضاء نتيجة تصادم الأيونات الوافدة مع الغلاف الجوي للأرض، وهذا ما رأوه فعلاً بنحو متزايد خلال الأسبوع الماضي.

عملية الرصد

توجد العديد من المراصد المختصّة بالشمس، سواء على سطح الأرض أو على متن المركبات العلمية السابحة في الفضاء وحول الأرض، إلّا أنّ التحدي الأكبر يكمن في قصر الزمن الذي تستهلكه هذه التوهجات، إذ يمكن أن يحدث الانفجار الشمسي ويتوهج تدريجاً خلال فترة خمس دقائق، ليعود ويخمد بعد أن يطلق طاقته الهائلة. أمّا المشكلة الثانية، فهي عدم إمكانيّة رصد كل سطح الشمس في كل الأوقات، فالمراصد غالباً ما تركز عدساتها ومعداتها على بقع معيّنة للحصول على أدق ملاحظة، وهو يعني بقاء مساحات واسعة خارج الرصد في هذه الفترة الزمنيّة. وفيما تحصل بعض هذه الانفجارات والتوهجات في أوقات غير متوقّعة، يمكن ألّا يتمكّن المرصد من رؤيتها الدقيقة في الوقت المناسب، أو أن ترصدها بعض الفرق البحثيّة التي تراقب الأجزاء المعنيّة من الشمس، فيما تغيب عن الفرق الأخرى. لذلك يعتبر محظيّاً من يستطيع رصد وتسجيل حصول الانفجار الشمسي القوي من لحظته الأولى حتى الأخيرة، أمّا من يتمكّن من رصد ثلاثة انفجارات على مدى ثمانٍ وأربعين ساعة كما حصل أخيراً، فتلك صدفةٌ قد لا تتكرّر.

يطلق الانفجار الشمسي طاقة تعادل انفجار مليار قنبلة هيدروجينية في الوقت نفسه

إن مسألة توافق المكان والزمان المناسبين لرصد هذه الظاهرة التي تحدث ضمن بقع صغيرة نسبة إلى قياس الشمس الهائل هي فرصة علميّة تاريخيّة لأيّ فريق علمي.

مفارقات علميّة

تمرّ الشمس في فترات دوريّة ترتفع وتنخفض فيها وتيرة إشعاعها وتوهجها، وتستمر كل فترة نحو 11 سنة، لتتغيّر بعدها من حالة النشاط إلى الركود ثم العكس. وفي هذ الفترة بالذات، تمرّ الشمس بمرحلة الركود، أي إنّ نشاطها الإشعاعي منخفض نسبيّاً. لذلك، لا تحصل الكثير من الانفجارات السطحية إلّا على مدى فترات زمنيّة متباعدة وضمن مسافات مكانية متباعدة أيضاً وبقوّة أقلّ. المفارقة تكمن في مشاهدة ثلاثة انفجارات شمسية متتاليّة وفي أمكنة متقاربة، وكان أحدها الأقوى منذ اثني عشر عاماً، وهو ما يعتبر غير متوقّع ونادر الحدوث إجمالاً. إلّا أنها في الوقت نفسه تعطينا فرصة جديدةً ومعطيات جديدة أيضاً لدراسة أعمق لظاهرة الانفجارات السطحيّة في الشمس وتسمح بتطوير بعض النظريات التي تحاول أن تعطي تفسيرات مقبولة لتلك الظاهرة.

تفسيرات نظريّة

إن عملية المراقبة الأخيرة وما سبقها، أتاحت جمع كميّة هائلة من المعلومات التي يجري تخزينها وتطوير برمجيات وخوارزميات لمعالجتها واستخراج معطيات وعلاقات منها. وبما أنّ الانفجارات كانت قويّةً، فذلك يعطي كميات ودقّة أكبر في المعلومات المستخرجة. من الناحية النظريّة، عملت بعض الفرق البحثيّة سابقاً ومنذ عام 2015 على تطوير نماذج نظرية لنشوء الانفجارات الشمسية، وقد خرجت إحدى الأوراق التي نشرت في مجلة Nature Communications باستنتاج يقول أن هذه التوهجات تنتج نتيجة تداخل الحقول المغناطيسيّة وتعارضها على السطح. هذه التيارات المغناطيسية تنشأ قرب القطبين الشمالي والجنوبي للشمس وتتجه صوب الاستواء، ما يسبب تضاداً بينها، مع ما تحمله من قوّة دفع مغناطيسيّ هائلة. وعندما يلتقي التياران الهائلان في منطقة الاستواء تحدث الفوضى، فتتداخل خطوط الحقل المغناطيسي وتتشكّل منها حقول متفرّقة ومتداخلة دوّارة. يمكن ملاحظة تأثيرات هذه الظاهرة من خلال البقع الداكنة والفاتحة على السطح، ثم تخفت تلك الحقول المتداخلة حتّى يعود السطح إلى سابق عهده. أمّا في فترات الركود الشمسي، فتأخذ تلك العملية وقتاً أطول كي تنتهي، فتتيح تفاعلات أكثر، ما يولّد المزيد من البقع الشمسيّة المعقّدة وما ينجم عنها من انفجارات أكثر وأقوى. تفسّر تلك النظرية مسألة ازدياد الانفجارات الشمسيّة وتيرةً وقوةً في نهاية فترات ركود السطح من الناحية النظرية، لكنّها لا تزال بحاجة إلى إجراء المزيد من المشاهدات لتقديم إثباتات عملية واختباريّة كي تصبح معتمدةً في الأوساط العلمية، وهو ما ستحاول المراصد والفرق البحثيّة الأخرى تقصّيه من المعلومات والمشاهدات التي تقوم بتخزينها وتحليلها.

فائدة عملانيّة

إن إمكانية توقّع أوقات حصول هذه الانفجارات وقوّتها المفترضة، تتيح استباق تأثيراتها على الأقمار الاصطناعية وأنظمة تحديد المواقع كما على محطات البث الراديويّ لتفادي حصول أخطاء غير متوقّعة في عمل كل تلك الأدوات التقنيّة التي باتت ترتبط بها الكثير من مجالات حياتنا اليوميّة.