منذ سقوط مدينة إدلب في آذار من عام 2015 بيد «جيش الفتح»، الذي كانت «جبهة النصرة» أحد أهم أركانه، دارت نقاشات كثيرة حول مستقبل المدينة وريفها، على اعتبارها مركز المحافظة الوحيد الذي خرج عن سيطرة الحكومة في دمشق (بيد معارضي الحكومة و«داعش»). الفترة الفاصلة بين ذلك التاريخ واليوم شهدت أحداثاً مفصلية قادت في محصلتها إلى دخول المحافظة وبعض أرياف حلب وحماة واللاذقية القريبة تحت عباءة «القاعدة».
التغوّل القاعدي على حساب آخر جماعات المعارضة المسلحة، هدّد وجود هيكل عسكري «معتدل» يمكن تسويقه كندّ للحكومة في المحادثات، بعدما فشل الرهان على التنظيم ليكون رأس الحربة في مشروع إسقاط دمشق.
وهو ما وضع خططاً جديدة قيد الدراسة، تتضمن إطاحة «النصرة» وسطوة زعيمها أبو محمد الجولاني. هذا التحوّل لم يأت من دون محفّزات. فمحاصرة جيوب الفصائل المسلحة وإحباط هجماتها المتكررة في حماة ودرعا وطوق دمشق، كان كفيلاً بإيضاح استحالة أيّ نصر عسكري لتلك الفصائل. وجاء مسار محادثات أستانا كحل بديل تمكن من اجتراح وقف لإطلاق النار. وكانت نقطة التحول في هذا المسار هي التفاهم الروسي ــ الأميركي على أولوية مكافحة الإرهاب، وما أفضى إليه ذلك من اتفاق في المنطقة الجنوبية.
الحل كان جاهزاً لسنوات، وطرحته موسكو بموافقة دمشق وطهران مراراً. غير أنه بقي معطلاً من قبل واشنطن، وعنوانه العريض «فصل المعارضة عن الإرهاب». اليوم، ومع مخرجات اجتماع «أستانا 6» التي تمهّد لتحييد «هيئة تحرير الشام» عن محافظة إدلب عبر تعاون مضمون من قبل موسكو وطهران وأنقرة، يبدو الطرح أمراً واقعاً. والوقائع تقول إن الخطط التي تضمنت قبل عام واحد من الآن عرضاً روسياً بمشاركة أميركية على الأرض في حال التوافق ضد «النصرة»، قد استبدلت بخطط بديلة، تسهم فيها إيران كدولة ضامنة، رغم الاعتراضات الأميركية المتكررة ضدها. كذلك، فإن هذه الخطط تأتي في وقت وصل فيه الجيش السوري وحلفاؤه شرق الفرات، بعد كسرهم حصار دير الزور وتحرير آلاف الكيلومترات ومئات البلدات من سطوة «داعش».
(الأخبار)