"فتح موسم الصيد" (اليوم) اعتداء وتطاول على حقوق الغير. كيف نسمح لأنفسنا أن نتحدث عن "موسم" الصيد البري لأجمل مخلوقات الأرض كالطيور، كما نتحدث عن موسم العنب والتفاح؟! فهل نحن زرعنا وتعبنا في تربية الطيور البرية حتى يأتي يوم نجني ثمار ما زرعنا؟! من الذي ابتدع هذه المفاهيم المتعالية والمضللة، مثل الصيد ومواسمه، المفرطة في استغلالها للكائنات الحية؟

مرحلة الصيد، "مرحلة" من تاريخ "التطوّر البشري" وانقضت مع اكتشاف الزراعة. مرحلة كان فيها الإنسان يصطاد (ويقتل) لكي يعيش. وإذ لم يعد هناك من حاجة للصيد من أجل البقاء، كيف نقبل اليوم أن يصبح القتل هواية؟!
كتبنا الكثير فترة مناقشة التعديلات في قانون الصيد البري (بين عامي 2003 و2005)، لا سيما يوم كان وزير البيئة فارس بويز (الصياد). استفاد يومها هذا الأخير من موقفنا، بأن الطيور البرية ليست من صلاحية وزارة الزراعة، ليطالب بنقل صلاحية "تنظيم" الصيد وفتح الموسم له (لوزارة البيئة بعد أن كان في وزارة الزراعة). إلا أن خلفية موقفنا آنذاك، كانت تنطلق من حقيقة أن الطيور البرية كما كل الكائنات البرية، ليست ملكاً لأحد ولا يحقّ لأحد التصرف بها وقتلها أو الإتجار بها... مطالبين بمادة في القانون تمنع الإتجار بها حية أو ميتة، (إذ كانت في تلك الفترة لا تزال أعدادها أكبر، وكان هناك من يصطادها ويبيعها للمطاعم أو على الطرقات، أو من يحبسها في أقفاص ويبيعها حية).
كما طالبنا، كتسوية تاريخية ومرحلية، أن يسمح بالصيد بالأدوات البدائية فقط كقوس النشاب أو "النقيفة" (التي تعتمد على الحجارة)، وذلك انطلاقاً من معادلة علمية وطبيعية تقول، إن الطيور لم تطور تقنيات عيشها وآليات حماية نفسها، وهي لا تزال تصنع أعشاشها بنفس الطريقة، بينما "طوّر" الإنسان أدوات الصيد والقتل والاحتيال (بآلات تصدر أصواتاً شبيهة بأصوات الطيور لاستجلابها وقتلها أو حبسها) بشكل غير عادل، مما سيحتم فناء الطيور بعد فترة!
ضمن هذه الشروط فقط كان مقبولاً الحديث عن "تنظيم الصيد" مع أن فكرتنا الأصلية آنذاك كانت تقضي بالمنع الكلي بالصيد والمطالبة بتحوير الهوايات والترويج لتعابير أقرب إلى البيئة مثل مراقبة وتصوير الطيور بدل صيدها. وكانت هذه هي المهمة الأصلية لوزارة البيئة، كما كنا نعتقد.
أثناء مناقشة تعديل قانون الصيد البري في مجلس النواب آنذاك، كان النائب سامي الخطيب قد استعان بخبير أجنبي بقضايا "التنظيم"، الذي غير رأيه في الاجتماع وأيد موقفنا… وقد نجحنا يومها في جلسة إحدى اللجان النيابية بوضع هذه الأفكار في مادتين في القانون المعدل، ولكنها عادت وطارت في اللجان المشتركة والهيئة العامة وصدر القانون بصيغته الحالية.
كنا نعتقد أن تدخل ابنة رئيس الجمهورية سيكون باتجاه إعادة طلب تعديل القانون بهذا الاتجاه، بدل المطالبة بإعادة فتح موسم الصيد وتطبيق القانون ومراسيمه الشائنة... والاستماع لأصوات الطيور لا لأصوات تجارها وتجار أسلحة وأداوت صيدها والصيادين.
كنا نعتقد ان التدخل سيكون للمطالبة بالتشدد في تطبيق قرار المنع الكلي للصيد، لحين القيام بالدراسات اللازمة على الأقل واستكمال البيانات حول حالة الطيور والحياة البرية عامة في لبنان، مؤكدين أن أحداً لا يستطيع أن يدّعي أنه درس ورصد حالتها بشكل مقبول، وأن أحداً من "الخبراء" يمكن أن يسمح لنفسه بالقول أو الإفتاء بما هو مسموح وما هو ممنوع صيده (وعلى أي أساس)، وأن هناك من يستطيع أن يحدد الأعداد المسموح صيدها أيضاً! وهذه الفضيحة العلمية الأكبر.
وإذا أردنا العودة إلى قانون البيئة، والذي ناضلنا طويلاً لكي تمنح الأولوية فيه لمبدأ الاحتراس على "مبدأ الملوث يدفع"، كان حرياً أن يترجم بقانون الصيد البري، بمنع الصيد احتراساً، لعدم معرفتنا ما هي حال الطيور عامة وما الذي انقرض أو في طور الانقراض منها، بدل تطبيق مبدأ، ادفع واقتل. ادفع مئة ألف ليرة ثمن رخصة صيد واقتل أجمل الطيور التي لا تقدر بثمن!
فهل لا زال بالإمكان التراجع عن فتح موسم الصيد، أم نكون قد دخلنا في تكريس موسم العيوب؟

* للمشاركة في صفحة «بيئة» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]