في السنوات الأخيرة، تصاعدت حملات رفض ارتفاع الأقساط، التي بدأت على المستوى الفردي، ثم تتابعت بنشوء حركات اعتراضية واجهت إدارات المدارس التي سعت وتسعى دائماً إلى تعيين أو انتخاب صوري للجان أهل تمرر مشاريعها الربحية أو تدافع عن سياستها التربوية، وتضع هذه الإدارات لجان الأهل في مواجهة الأهالي، أي إنها تستخدم جماعة من الأهل «المقهورين» أصلاً لقهر أهالٍ آخرين وتحولهم إلى «قاهرين» لأندادهم عبر إغراءات وتقديمات بممارسة سلطة ما أو حوافز مالية، تحوّل «المقهور» إلى «قاهر» لأنداده، وهو من أسوأ أنواع القهر.
في الأزمة الحالية للأقساط، يمارس العديد من لجان الأهل الموالية للإدارات هذا النموذج، إذ يرفع من يعاني من اضطهاد أو قهر الصوت، فيقابله امتصاص أو مواجهة أو تمييع للحقوق من لجان الأهل أولاً، ومن ثم تمييع مضاعف من الإدارة لإخفاء الحقائق.
وما حدث في «الليسيه فردان» كان شبيهاً بذلك. فبعد اعتراض الأهل على الزيادة في السنة الماضية، أصرت الإدارة على دفع المتأخرات قبل دخول بداية العام الحالي، ومُنع الأطفال من دخول صفوفهم، لأن الأهل المعترضين على الزيادة لم يدفعوها.
تَعبُر رئيسة لجنة الأهل البوابة حيث يقف الأهالي وتدخل الإدارة، وتخرج من دون تواصل مع أيٍّ من المعترضين، معلنة بسلوكها موقفاً يقول: «بتستاهلوا، انتو اللي حطيتوا ولادكن بهالموقف».
تظن السيدة رئيسة اللجنة، «القاهر الثاني»، أنها حققت انتصاراً على «المقهور» لكنها في الواقع لم تفعل بل إن «القاهر الأول» حقق انتصاراً على «القاهر الثاني» و«المقهور» معاً. المؤسف أيضاً أن مشروع اتحادات لجان الأهل في المدارس الكاثوليكية، الذي عبّر عنه كل من ميرنا خوري وكامل الريشاني، يعبّر عن قهر عموم الشعب اللبناني، وليس أولياء الأمور في المدارس الخاصة فحسب، من خلال تحميل الدولة التي أقرت سلسلة الرواتب، تبعات ومصاريف «الزيادات» التي قد تطرأ عنها، أي تحميل خزينة الدولة وكل المواطنين بدلات خدمة من خلال ضرائب أو ديون وطنية إضافية يتحملها مواطنون/ات من كل المناطق ومن غير المستفيدين من هذه السلسلة لجمع إيرادات تعليم في المدارس الخاصة لأبنائهم تحت شعار أنّ التعليم حق وواجب على الدولة توفيره!
يتحول مشروع اتحادات لجان الأهل هذه إلى «قاهر» ليس فقط لأندادهم من أولياء أمور، بل لكل الشعب اللبناني.
في هذا السياق، قام أولياء أمور بانتفاضات على مدارس أولادهم، وانتخبوا لجان أهل حقيقية تقوم بدورها في مراقبة الموازنة نذكر منها ثانوية روضة الفيحاء، الليسيه الكبرى، الليسيه عبد القادر، وغيرهم، وأول ما فعلته هذه اللجان، وفي سياق تأديتها لدورها الطبيعي كلجان أهل مسؤولة، أنها اصطدمت مع الإدارات، كذلك فإن العديد من أولياء الأمور منفردين تواجهوا مع الإدارات، ووجدوا حلولاً فردية أو تنازلوا عن المواجهة لظروف خاصة بهم.
«القاهر الأول»، أي إدارات بعض المدارس المهيمنة التي وصلت الزيادات فيها على الأقساط إلى 200% خلال السنوات العشر الماضية، تستخدم «القاهر الثاني» الملحق بها من لجان أهل صورية، لقهر أولياء الأمور وإبعادهم عن الوجهة الحقيقية للصراع ـ المسألة الربحية، وكان هذا الأمر واضحاً في جواب الأمين العام للمدارس الكاثوليكية الأب بطرس عازار في المقابلة معه على «ال بي سي» أمس، حيث أجاب باستخفاف وثقة على مبادرة الوزارة بتعيين لجان تحقيق ومدققين للتدقيق في موازنات السنوات الخمس الماضية، فقال: «لا داعي لذلك، فما مضى قد مضى، وبدل دفع الأموال على المدققين فلتُحول الأموال إلى المدارس المجانية»!
«القاهر الثاني» هو الحلقة الأضعف، وهو يستشرس في الدفاع عن الإدارات، وهو يعلم أنه سيدفع ثمن صمته أو تغاضيه عن تحمل المسؤولية التي أوكلت إليه، سيُعزل ويسقط ويتخلى عنه «القاهر الأول» لحظة السقوط، وهو يعرف تماماً أنّ المدرسة ستستمر والأهالي سيستمرون بنضالاتهم وبممارسة حقهم في تعليم جيد تحت سقف القانون. أما لجان الأهل الصورية فستكون حتماً كبش فداء، أما آن الأوان لتنتبه أيها «القاهر الثاني» وتعود إلى موقعك الطبيعي؟
* باحث في التربية والفنون