تسوّق المدارس الكاثوليكية واتحاداتها لتعديل القانون 515 الناظم لموازنات المدارس الخاصة، فتقترح تغطية رواتب المعلمين/ات من خزينة الدولة أسوة بالتعليم الرسمي، انطلاقاً من كون التعليم حقاً للمواطنين، وعلى الدولة تأمين تكلفته، إما بإعطاء المدارس الخاصة نفس تكلفة تعليم تلميذ/ة في المدارس الرسمية، التي يقدّرها أصحاب المدارس الخاصة بـ 8 آلاف دولار سنوياً (وهو رقم غير دقيق)، أو بدفع رواتب المعلمين/ات، وبالتالي تتقاضى المدارس من الأهل الـ 35% من الموازنة فقط.
الفكرة جميلة ومسرّة للأهل، وهي منطلقة من القانون الفرنسي «دوبريه 1959**» ومبنية على مقدمة تؤكد الحق في التعليم الذي هو مسؤولية الدولة وحق المدارس الخاصة بالوجود...، ولكن ما غفل عنه أصحاب الاقتراح هو تفاصيل القانون الفرنسي، أي وصاية الدولة على مختلف المفاصل، ولا سيما الإشراف على البرنامج التعليمي، التعاقد المباشر مع المعلمين/ات، تحديد آليات للمراقبة المالية وخضوع المدرسة لكل شروط التعليم الرسمي لناحية عدد الموظفين/ات في المدرسة وعدد التلامذة في الشعبة وغيرها. والأهم أن الدولة المموِّلة للرواتب تضع الموازنة للمدرسة، وتحدد عدد الأساتذة والعاملين بحسب معاييرها ضمن سقف 65% على الأقل رواتب وأجور ومتفرعاتهما، ويبقى للمدرسة 35% للمصاريف والنفقات من غير الرواتب، يغطيها الأهل. وهذا الاقتراح مشابه لقانون موجود ومعتمد في لبنان في المدارس شبه المجانية التي تموّل فيها الدولة رواتب المعلمين وتخضع للرقابة والتفتيش الدائم، وإن حصل في الممارسة بعض الخلل والتأخير في دفع المستحقات.

تطبيق الاقتراح يعني عدم زيادة الأقساط
إلا بقرار رسمي

وفي هذا الإطار ماذا عن موازنة مدرسة يبلغ عدد تلامذتها 2000 تلميذ/ة وقسطها 5 ملايين ليرة. هنا التلامذة موزعون على 80 شعبة، وكل شعبة تحتاج إلى رواتب 1.6 أستاذ وإداري للشعبة الواحدة، وبمعدل تقريبي للراتب والملحقات 3 ملايين ليرة بعد السلسلة (أي 4.8 ملايين لـ1.6 معلم/ة شهرياً)، أي إنّ مجموع الرواتب والملحقات السنوية يصل إلى 4.6 مليارات ليرة، ويكون هذا المبلغ هو نسبة 65%، ما يعني أن الموازنة العامة للمدرسة لا تتعدى 7.1 مليارات ليرة والقسط يتوزع على 2000 تلميذ/ة أي 3.55 ملايين ليرة للتلميذ/ة. لنفترض أنّ الدولة تغطي 50%، فيما يدفع الأهل 1.75 مليون ليرة للمدرسة فقط. عملياً، ستدفع الدولة سنوياً 1.75 مليون عن كل تلميذ/ة كرواتب وملحقاتها للمعلمين/ات وسيدفع الأهل 1.75 مليون ليرة، ولكن السؤال: لم ستدفع الدولة هذا المبلغ ليغطي نحو 510 آلاف تلميذ/ة في المدارس الخاصة؟ ولماذا تضيف نفقات أخرى على خزينتها؟ الدولة تدفع منح التعليم بناءً على موازنة تقدمها المدارس، وكما نلاحظ هنا، فإنّ موازنة المدرسة ـ النموذج التي تصل إلى 10 مليارات ليرة قبل السلسلة صارت 7.1 مليارات بعد السلسلة إذا تعهدت الدولة بدفع رواتب المعلمين/ات من خزينتها، ليصبح مجموع ما تدفعه الدولة نحو 1210 مليارات ليرة لتغطية نفقات رواتب المعلمين/ات في المدارس الخاصة غير المجانية عن 510 آلاف تلميذ/ة، في الوقت الذي تدفع فيه حالياً ما يقارب 440 مليار ليرة منحاً تعليمية (قبل السلسلة)، كذلك منح التعليم للقضاة والمصالح العامة والضمان وتعاونية الموظفين والكهرباء... أما المدارس الخاصة شبه المجانية التي يفترض دمجها مع غير المجانية في القانون نفسه، فلها أصلاً مخصصات سنوية في الموازنة العامة للدولة تبلغ 58 ملياراً (قبل السلسلة)، وهي تضم نحو 140 ألف تلميذ/ة.
في المحصلة، يصبح لدينا 650 ألف تلميذ/ة في المدارس شبه المجانية وغير المجانية يفترض دمجها بقانون واحد تحت إشراف الدولة أو بقانون شراكة مع الدولة وتخضع لمعايير وزارة التربية والسلسلة.
بعد الدمج، لن تكون هناك حاجة لتغطي الدولة أي منح تعليمية للتلامذة في المدارس الخاصة، وبالتالي يفيض وفر مالي بعد ضبط الهدر والتزوير في العديد من المدارس الخاصة شبه المجانية وغير المجانية وازدواجية المنح التعليمية.
للمشروع تأثيرات جانبية عدّة، على مستوى المدارس، فالاقتراح يستهدف التعليم العام وتطبيق المنهاج الرسمي فقط. أما المدارس التي تريد تطبيق مناهج أجنبية ويرغب الأهل في اعتمادها لأولادهم، فهذا حقهم ويدفعون لقاء هذه الخدمة الإضافية وخارج دوام التعليم الرسمي، كذلك سيوضع حدّ لكل الخدمات الملحقة بالتعليم من إلزام الأهل بشراء كتب وقرطاسية وغيرها من المدرسة إضافة إلى رسم التسجيل، والمداخيل غير المباشرة من النقل والدكان والأنشطة، كذلك سيلزم المدرسة بقبول كل التلامذة الذين تتوافر فيهم مؤهلات القبول في أي مدرسة رسمية، حيث ستطبق القوانين والمعايير الإدارية والتربوية المعتمدة في التعليم الرسمي. أما المدارس التي لها خيارات أخرى، فيجب أن تتحول إلى شركات ربحية خاصة وتدفع الضرائب.
على مستوى المعلمين والمعلمات، السلسلة ستطبق وتتحول العقود إلى عقود طويلة الأمد مع الدولة مباشرة مع الحفاظ على التقديمات التي يستفيد منها المعلمون.
الإشكالية الوحيدة هي خضوع المعلمين/ات لمعايير التعليم الرسمي التي تشترط حيازة إجازة تعليمية أو شهادات جامعية كشرط للتعاقد، فيكون اقتراح القانون المقدم من النائب بهية الحريري والمتعلق بالمساواة بين الإجازة التعليمية والإجازة الجامعية هو الحل، وإخضاع حملة الإجازات غير التعليمية للتدريب والتأهيل ومعادلة شهاداتهم وخبراتهم ودرجاتهم.
على مستوى الأهل، ينخفض القسط السنوي إلى مبلغ يراوح بين 1.5 و2 مليون ليرة سنوياً عن التلميذ/ة للحصول على تعليم عام بحسب المنهاج الوطني، ويصير التعليم الخاص خاضعاً لرقابة الدولة المالية كلياً، فلا تُزاد الأقساط إلاّ بقرار رسمي، ويتحرر الأهل من التزامهم بشكل مباشر أو غير مباشر بنشاطات أو مشتريات أو كتب غير محددة في المنهاج.
أما الدولة، فستجني بعض الوفر ولن تتكلف بدفع المنح التعليمية بعد تطبيق الاقتراح، وسيذهب هذا الوفر حكماً إلى دعم التعليم الرسمي، وسيكون لها حق الوصاية والمراقبة الحثيثة على المدارس وتكون الضابط لعملها.
لا أفهم لماذا تتقدم المدارس الكاثوليكية باقتراح كهذا ولا ترى أبعاده، وهو يصلح لأن ينادي به الأهل والدولة وليس أصحاب المدارس الخاصة، فكما هو واضح مع تطبيق هذا الاقتراح ستنخفض موازنات المدارس الخاصة وأقساطها ما لا يقل عن 30% بعد السلسلة، في حين كانت أرباح هذه المدارس لا تقل عن 40% من مجموع الأقساط قبل السلسلة (http://al-akhbar.com/node/276526).
فهل تريد المؤسسات التربوية الخاصة خوض تجربة قد تشكل فضيحة لموازناتها السنوية، أم أنها تتمنى أن تقبل الدولة الشراكة ضمن شروط موازناتها المضخمة كجزء من لعبة المحاصصة لموارد الخزينة كما تفعل المصارف؟

* باحث في التربية والفنون
** Loi n°59-1557 du 31 décembre 1959 sur les rapports entre l’Etat et les établissements d’enseignement privés



* للمشاركة في صفحة «تعليم» التواصل عبر البريد الإلكتروني: [email protected]