نترقب أعمال التدقيق في ميزانيات وقيود المدارس الخاصة غير المجانية وغير الربحية التي ينوي وزير التربية مروان حمادة إطلاقها خلال مؤتمر صحافي يعقده في وقت قريب، كما علمنا، لإجراء المقارنة مع أرقام الموازنات المرفوعة إلى وزارة التربية. وفي انتظار ذلك، تقودنا دراسة عدد من الموازنات تسنى لنا الحصول عليها إلى مبالغات وتضخيم نفقات تنتج موازنة مضخمة لتبرير الأقساط الخيالية التي يدفعها الأهالي.
بداية، وضع القانون 515/96 نموذجاً إلزامياً للموازنة المذكورة وقسّمها إلى قسمين متوازيين بما يأتي:
- الرواتب والأجور وقيمتها 65% على الأقل: تشمل رواتب المعلمين/ات في الملاك، رواتب المعلمين من خارج الملاك، بدل مهمات إضافية للملاك، مكافآت ومساعدات لأفراد الهيئة الإدارية والمستخدمين، نسبة 15% من المجموع كاحتياط، اشتراكات الضمان والتعويضات والتسويات والسلف، وبدلات النقل وغيره.
- سائر الأعباء والنفقات غير التعليمية وقيمتها 35% على الأكثر: تأمين، رقابة طبية، تدفئة، إنارة (..) تجديد وتطوير، مساعدات للتلامذة المحتاجين، تعويض على أصحاب المدرسة.
إذاً الرواتب والأجور هي البند الأكبر والأهم، ونلاحظ أنّ موازنات بعض المدارس تركز بشكل أساسي على بند الرواتب الصافية فتضاعفها، وبالتالي يتأثر بند الملحقات بها من اشتراكات ضمان وتعويضات الصندوق وغيرها.

تتفاوت أرباح
المدارس من الرواتب بين 30 و50%


ولتوضيح الفكرة سنعتمد نموذجاً واقعياً وفاضحاً لمدرسة خاصة تبلغ فيها مخصصات الرواتب لأفراد الهيئة التعليمية من دون الملحقات من تعويضات ونقل، 6 مليارات و270 مليون ليرة سنوياً لـ 235 معلماً/ة في الملاك، يضاف إليها مليار و850 مليوناً بدل مهمات إضافية للمعلمين/ات في الملاك، وأيضاً مكافآت ومساعدات بقيمة مليار و523 مليون ليرة، وسلفة على غلاء المعيشة قيمتها 884 مليون ليرة، مع ملاحظة أنّ هذه البنود الأربعة يستفيد منها حصراً معلمو ومعلمات الملاك، وإذا جمعنا المبالغ الواردة في الموازنة نحصل على 10 مليارات و527 مليون ليرة يجب أن تصرف كاملة قبل نهاية السنة المالية.
يعني ذلك أنّ معدل راتب المعلم والمعلمة في هذه المدرسة هو 3 ملايين و 730 ألف ليرة شهرياً كمبلغ صافٍ من دون احتساب ضريبة الدخل (ومن دون بدلات النقل والتعويض العائلي واشتراكات الضمان والصندوق المحددة في بند آخر منفصل)، وعندما سألنا عدداً من المعلمين/ات في المدرسة نفسها عن الأمر تفاجأوا وقالوا لنا إنّ رواتبهم توازي رواتب القطاع العام، يضاف إليها السلفة على غلاء المعيشة ومكافآت أي نحو 500 أو 600 ألف ليرة زيادة عن سلسلة الرواتب. يقودنا ذلك الواقع إلى الاستنتاج بأنّ المدرسة تبالغ في مبالغ النفقات على الرواتب والمهمات الإضافية والمكافآت ما قيمته 4 مليارات ليرة على الأقل من رواتب أساتذة الملاك، بحسب الطريقة الحسابية هذه.
للتأكد من الأرقام مجدداً، قمنا بعملية حسابية مختلفة، فالمدرسة تضم 120 شعبة، وبحسب معايير التعليم في كل بلدان العالم تحتاج الشعبة إلى 1.5 معلم/ة، أي أن 120 شعبة تستوجب توظيف 180 معلماً/ة وليس 235 كما هو وارد في الموازنة، ولنفترض أنّ المدرسة توفر خدمات إضافية وتحتاج إلى 200 معلم/ة وحتى 235 معلماً/ة، لِم تستعين بـ 68 معلماً/ة متعاقداً إذاً كما هو وارد في الموازنة نفسها، فيما قيمة المخصصات للمتعاقدين تبلغ 3 مليارات و770 مليون ليرة، أي بمعدل راتب يصل إلى 4 ملايين و600 ألف ليرة شهرياً للمعلم/ة؟ هذه المبالغ تضاف إلى المداخيل غير المنظورة التي تدخل في صندوق أصحاب المدرسة من دون وجه حق وبمخالفة واضحة للقانون 515. وهناك أيضاً المبالغ التي توردها الموازنة من اشتراك الضمان وصندوق التعويضات وبدلات النقل وغيرها من البنود المرتبطة بالرواتب كنسب من هذه الرواتب، وضمنها 15% احتياط أيضاً وقيمته في هذه الموازنة مليار و780 مليون ليرة (القيمة الحقيقية هي أقل من النصف)، من المبلغ الإجمالي المخصص لرواتب للأساتذة وقيمته لأساتذة الملاك والتعاقد لتصير القيمة الإجمالية المخصصة للرواتب بحسب الموازنة 14 ملياراً و297 مليون ليرة تدفع المدرسة فعلياً أقل من نصفها.
هذا نموذج من أرباح المدارس من رواتب وأجور المعلمين فقط، وطبعاً راقبنا موازنات أخرى تفاوتت فيها الأرباح من الرواتب بين 30 و50%، بحسب حجم المدرسة ورقم أعمالها. موازنات مدارس أخرى تحتاج إلى تدقيق من نوع آخر وربما لم تعتمد المبالغة وكانت صادقة تجاه تلامذتها وأهلهم.
طبعاً، لا يخفى على أحد أن المبالغات في موازنات العديد من المدارس الخاصة ليس محصوراً في بند الرواتب بل بكل البنود الأخرى، وسنفترض أنّ العديد منها يقوم بالتزوير طالما أننا لا نستطيع كشف قيودها وإخضاعها للتدقيق المالي والحسابي الذي هو حق الأهل ولجان الأهل كونهم مساهمين وشركاء في هذه المدارس بالمعنى القانوني للكلمة.
*باحث في التربية والفنون