منذ يومين، قُتل ثلاثة أشخاص على طريق الأنصارية في الجنوب نتيجة حادث سير. لم يكن الحادث هو الأول خلال هذا الشهر على طريق الجنوب، سبقه حوادث عديدة راح ضحيتها عدد من الجرحى والقتلى أيضاً. بحسب الخبير في إدارة السلامة المرورية، كامل ابراهيم، فإنّ طريق الاتوستراد المؤدي إلى الجنوب يشهد خلال هذه الفترة أعداداً من حوادث السير، متزايدة نوعاً ما عن المعدلات المعتادة، «ما يتطلّب تفعيل قانون السير الجديد في هذه المنطقة».
برأيه، إن فعالية القانون تختلف بين منطقة وأخرى، إذ «لا يُطبّق القانون بالفعالية نفسها في المناطق اللبنانية المختلفة. ما يتمّ التركيز عليه في بيروت من ناحية ضبط المخالفات والتقيّد بقواعد قانون السير يختلف كلياً عما يتم التركيز عليه في المناطق الأخرى. مثلاً في بيروت، غالبية المحاضر التي تُسجّل تتعلّق بمخالفات الوقوف، فيما تتركز المخالفات في الجنوب والبقاع على المركبات غير القانونية والميكانيك وحزام الأمان وغيرها، أما في الشمال فتتعلّق المخالفات بالحمولة الزائدة، فيما تتركز المخالفات في الجديدة وكسروان على شرب الكحول أثناء القيادة وغيرها».
في المبدأ، تنوّع هذه المخالفات واختلافها بين المناطق يُعدّ «طبيعياً»، إذ يعتمد على نوعية المخالفات المنتهجة في منطقة معينة، وفق ما يقول مصدر في قوى الأمن الداخلي. إلّا أن ابراهيم ينطلق من نقطة الاختلاف في فعالية القانون بين المناطق ليُصوّب على اجتزاء تطبيق القانون، الذي لم تُرافقه أي خطة استراتيجيّة وطنيّة لتطوير معايير السلامة المروريّة، وتنفيذ الإصلاحات التي لحظها القانون. بهذا المعنى، يغدو الاختلاف في تطبيق القانون بين المناطق والتركيز على مخالفات دون أُخرى جزءاً من التطبيق المجتزأ، كأن نرسي مثلاً قاعدة أنه في الجنوب يتم التركيز على الميكانيك وتجاهل التدقيق في المخالفات الأخرى.

يبلغ معدل
قتلى حوادث السير
السنوي في لبنان
نحو 600 قتيل

يقول ابراهيم هنا، إن هذا الواقع يسمح بخضوع المواطنين حينها لـ «مزاجية» عنصر قوى الأمن، ليُشير إلى ضرورة تطبيق القانون بمفهومه الشامل الذي يتخطّى اقتناص الغرامات وتخفيض عدد القتلى ويتجاوزهما إلى إرساء نوع من الثقافة الرادعة التي تؤمّن البيئة المطلوبة لـ «السلامة المرورية المُستدامة». هذه البيئة لن تُنشأ إلا على صعيد الاستراتيجيات الوطنية.

تطبيق القانون لا يزال مُجتزءاً

منذ مُدة قصيرة، تداول البعض خبراً على مجموعات تطبيق «الواتساب» يُفيد باقتراب موعد تطبيق «المرحلة المُقبلة من قانون السير»، داعياً المُقيمين في لبنان إلى التقيّد بالارشادات تجنباً لتسطير محاضر بحقهم.
ينفي العقيد مسلّم صحة هذا الخبر، ويقول إنه لا يوجد موعد محدد للمباشرة بالمرحلة «المُعلّقة» حالياً.
عندما بوشر بتنفيذ قانون السير الجديد في نيسان عام 2015، تم تقسيم مراحل تطبيقه الى مرحلتين. الأولى وهي التي امتدت من 22-4-2015 الى 30-4-2015، والتي جرى خلالها قمع المخالفات الآتية: السرعة الزائدة، القيادة تحت تأثير الكحول أو المخدرات، القيادة المتهورة للدراجات الفئة الخامسة، ومخالفات القرار الإداري (السير خارج أوقات الدوام للدراجات والشاحنات) فئة أولى، السرعة الزائدة عن الحد المسموح به.
أما المرحلة الثانية من تطبيق القانون فامتدّت من 1-5-2015 ولغاية 31-5-2015، خلال هذه الفترة تم قمع المخالفات التالية: عدم وضع حزام الأمان في المقاعد الأمامية، تجاوز الإشارة الحمراء، السير باتجاه معاكس لوجهة السير، استعمال وسائل الاتصال، وقوف صف ثان يعرقل انسيابية السير، قيادة مركبة دون لوحات، عدم وجود لوحة أمامية أو خلفية، قيادة مركبة من دون تسجيل، استعمال مركبة لغير الغاية المخصصة لها، قيادة فئة معينة من المركبات غير مرخص لها على رخصة السوق (خصوصي، عمومي)، القيام بحركات أو مناورات ذات خطورة كالقيادة المتعرجة، تأجير أو استئجار أو استبدال الإطارات أو أي قطع غيار بقصد الغش في المعاينة الميكانيكية، عدم اعتمار سائقي الدراجات النارية الخوذة، قيادة دراجة آلية تحدث ضوضاء عالية.
فعلياً لا يوجد مرحلة «ثالثة» لتطبيق القانون. إلّا أن هناك قراراً «عُرفياً» من قبل قوى الأمن الداخلي يقضي بعدم مُحاسبة مرتكبي بعض المخالفات (كانعدام وجود المثلث التحذيري والشواخص والإطفائيات والمقاعد الخلفية المخصصة للأطفال...). يقول مسلّم إن هذا القرار اتخذ حينها، قطعاً للطريق أمام التجار الذين عمدوا حينها الى رفع أسعار هذه المعدات، «وبالتالي تجنّباً لفتح سوق سوداء، تم تعليق المحاسبة على هذه المخالفات، من أجل إعطاء السائقين مهلة كافية للتحضير. وحتى الآن لا يوجد قرار بالمحاسبة على هذه المخالفات».
يرى ابراهيم، أن جميع البنود التي كانت موجودة في القانون القديم هي نفسها التي طُبقّت مع اختلاف في حجم الغرامات، لافتاً إلى غياب تطبيق «العناصر الأساسية» الجديدة الذي تضمنها القانون الجديد والمتعلّقة بالعقوبات على المشاة وبنظام سحب النقاط على دفاتر السوق وإلزام الشاحنات بالسير على يمين الطريق والتدقيق في الحمولة المسموح بها وعدم وضوح مصير المعهد التقني الخاص، حيث من المقرر أن يجري العمل على وضع مناهجه من أجل تخريج مدربي السير وخبرائه».

انخفاض عدد القتلى ليس معياراً علمياً

بحسب أرقام قوى الأمن الداخلي، فإنه بعد سنتين على تطبيق القانون، انخفض عدد ضحايا الحوادث بنسبة 22%، «بمعدّل 289 شخصاً على صعيد عدد القتلى و2717 جريحاً». ويُشير المصدر نفسه في هذا الصدد الى أن الأرقام تتجه إلى أن تكون أفضل مما كانت عليه عام 2013.
بحسب ابراهيم، فإن معدل القتلى السنوي في لبنان يبلغ نحو 600 قتيل، أي بمعدّل 50 قتيل شهرياً، في حين أن المتوسط العام في البلدان المماثلة للبنان لا يتخطى الـ 300 قتيل سنوياً.
يرى ابراهيم أن انخفاض عدد القتلى ليس معياراً علمياً لاحتساب فعالية تطبيق القانون وإن كان سبباً مهماً. برأيه، ما ساهم في تخفيض عدد القتلى هو الحملات الإعلامية التي رافقت تطبيق القانون و»المزاج» الذي وُجد آنذاك بضرورة الارتداع. يخلص ابراهيم إلى أهمية «المناخ» السائد في ردع المتهورين وتريثهم. من هنا يُشير إلى ضرورة تفعيل القانون من أجل إرساء ذلك المناخ: «عندما يُنشر خبر عن يوم أمني، نرى غالبية الناس تتحضر لتفادي المخالفات والانتباه. المطلوب هو إشعار الناس أن كلّ الأيام هي أيام أمنية». ويُضيف: «قد ينخفض عدد القتلى هذا العام، لكنه قد يتضاعف في شهر واحد مع خفوت ضجة القانون. لذلك لا نستطيع أن نعتبر هذا العامل هو معيار علمي، خصوصاً في ظلّ غياب المنظومة الإحصائية الدقيقة».
ويختم بالتساؤل: «هل كان العدد انخفض لو طبقنا الحملات الإعلامية مع المخالفات الماضية؟ بالتأكيد نعم. الأمر يتعلق بالجو السائد وبإقناع الناس بأن تطبيق القانون ليس موجة وتنتهي».
تجدر الإشارة إلى أنه مضى نحو خمس سنوات على صدور القانون عام 2012، ومرّ نحو سنتين على بداية تنفيذه في نيسان عام 2015. حتى الآن، لم تتجهز الإدارات المعنية بالوسائل التي تمكنها من تنفيذ العناصر الجديدة الجيدة التي أرساها القانون الذي لم يتطبّق منه إلا دفع الغرامات المرتفعة، بحسب ابراهيم.