(8 قصائد بالعربية)
صفحات الإبداع من تنسيق: أحلام الطاهر

ترجمة: أحمد عبد اللطيف

لو أحد طرق بابكِ

لو أحد طرق بابكِ، يا صديقتي،
وشيء في دمك خفق وتوتر،
وفي جذورك المائية، غدا
الينبوع المرتجف سائلاً منسجماً

...
لو أحد طرق بابك ولا يزال لديك
وقت لتكوني جميلة
وأبريلك يسع وردة
ومن الوردة ينز النهار

لو أحد طرق بابك ذات صباح
وكان صباحاً مترعاً بشدو الحمام والأجراس
وكنتِ تعتقدين في الألم والشعر
وكانت الحياة حقيقةً وللقصيدة وجود
...
لو أحد طرق بابك وأنتِ تعيسة
افتحي له، إنه الحب، يا صديقتي.
(1945)

موت الوردة

ماتت من قسوة النسيم.
وردة شبيهة، طبق الأصل.
سكبت جمالها،
منحت عبيرها.
لم يكن لها اسم: ربما
سمّوها ورداية،
أو وردة رقيقة، أو وردة الحب،
أو وردة الصباح،
أو سموها وردة ببساطة
كما يسمون الماء.
الأجدى كان
أن يتركوها للحياة، داليا،
لتفكر في القمر
مثل غصن شجرة أكاسيا.
لكنها ستكون أبدية:
كانت وردة، هذا يكفي.
وفي مملكة الله ستبقى
على يمين الفجر.
(1945)

سونيتات متكررة في ليلة سرينادات

تمنيت امرأة من دم وفضة.
أي امرأة. أي امرأة كانت،
كلما ظهرت في ليالي الربيع
أسمع من بعيد سرينادة.
هذه النغمات روح. وحتى لو لم تكن حقيقة
فالأكذوبة نعيم حين نعلم
أن صوتها يرسم قلب امرأة أياً كانت.
أصبو لحب على نغمات الموسيقى. وأريد
أن يحبوني بنبرة حقيقية.
حب يشبه الأزرق، حب شبه أبدي.
ربما لأن الإيقاع يأسرني،
أو أنني كلما سمعت سرينادة
آلمني قلبي بإيقاع موسيقي.
(1945)

سوناتة صباحية لتلميذة بلا توازن

تمر وتحييني وخلف الريح،
الذي يمنح عبقاً من صوتها العذري
في مربع الضوء بالنافذة،
لا يشبّر الزجاج، بل العبق ذاته.

هذه الصبية كما الجرس.
يسعها التجرد مثل قصة،
وحين تقطع خيط اللحظة
يسكب الصباح دمه الأبيض.

حين ترتدي الأزرق وتسير للمدرسة،
لا يمكن لأحد أن يعرف هل تسير أم تطير
إنها مثل نسمة، خفيفة،
أيهما الطفلة وأيهما الصباح.
(1946)

أغنية

«تمطر في هذه القصيدة»
إدواردو كارانثا

تمطر. والظهيرة
ورقة من ضباب. تمطر.
الظهيرة مبتلة
بحزنك ذاته.
يأتي الهواء أحياناً
بأغنيتك. أحياناً...
أشعر بروحي منكمشة
أمام صوت غيابك.

تمطر. وأنا أفكر
فيكِ. وأحلم.
لا أحد سيأتي هذا المساء
ليلئم ألمي الموصد.
لا أحد. غيابك فحسب
يؤلمني في كل الساعات.
وغداً يعود حضورك في الوردة.
أفكر- بينما يتساقط المطر-
أني لا آكل الفاكهة.
وأنتِ طفلة مثل الفاكهة،
مبهجة كحفلة.
اليوم ينتشر الليل
واسمك في قصيدتي.

الماء يأتي أحياناً
ليرى نافذتك.
وأنتِ غائبة.
وأنا، أحياناً، أشعر بقربك.

وداعك الحزين
يتجلى بتواضع.
بتواضع وبكل تواضع: في الياسمين.
في زهرات الحديقة،
في بكائي اليائس.
آه، قلبي غائب:
ما أعظم أن تكون متواضعاً.
(13 ديسمبر 1944)

قصيدة يقولها حلزون

شاهدت البحر. لكنه
لم يكن البحر البلاغي بالصواري
والبحارة المسلحين
في أسطورة الأناشيد.

لم يكن بحر المدن الأخضر الكوزموبوليتي
-بحر بابل-
الذي لم يكن له نوافذ أبداً
تطل على نجم المساء.

ولا بحر أوليسيس الذي كان له
سبع حوريات موسيقية يحيط بها سبع جزر من الموسيقى
في كل الأجزاء.

ولا بحر بلا فائدة، يعود
بحمولات من المناظر الطبيعية
ليكون أكتوبر دائماً
في حلم ببغاء البحر.
ولا بحر بوهيمي له ميناء
وبحّار يهذي
بأنه فقد قلبه
في لعبة الورق.
ولا بحر يهادي
الشاطئ
بأغنية لا مثيل لها
أغنية تبلغ صدر الأيام
بلا انفعال، مثل وشم.
ولا بحر دقيق في مواعيده
له في كل رحلة ميناء دائم
حيث يستحيل الحب حياة
مثل رحم الأم.
بحري كان بحراً أبدياً،
بحر الطفولة، بحر لا يمكن نسيانه،
ينز من حلمنا
كحمامة في الهواء.
كان بحر الجغرافيا،
بحر تلامذة صغار
يتعلمون الإبحار
في الخرائط البدائية.
في بحر الحلزونات،
البحر السجين، البحر البعيد
الذي نحمله في الجيب
مثل لعبة في كل مكان.

بحر أزرق يرنو إلينا
حين كانت أعمارنا هشة
وكنا نطويها تحت ضلوعنا
في الهواء.
وكان بحر حبنا الأول
في عيون خريفية.
وذات يوم أحببت البحر
- بحر الطفولة - وكان ذلك متأخراً.
(1946)

دراما من ثلاثة فصول

1
كورنيليوس، الشاعر المزكوم،
كان في طريقه لحفلة.
كان يحمل معطفاً على ذراعه
وقبعة على رأسه.
وقميصاً أبيض ووردة
في عروته السوداء.
2
وكورنيليوس الطويل
الشاعر المشهور
عند خروجه للشارع
حيّا زميله
الشهير فرنثيسكو دي كيبيدو بييجاس.
وكانت تمطر
- والسماء بلا نجوم
كانت تبدو للبشر
ابتسامة سوداء-
وكورنيليوس، الطويل
الشاعر الشهير
أصيب بالزكام تلك الليلة
دون أن ينتبه.
3
والصالة كانت جاهزة
للحفلة
وكان الملك، وكانت الملكة
والمجلس الأعلى،
والسيد الأمين،
كونت لوكريثيا.
ووصل كورنيليوس إلى هناك،
بوردته وعِلمه،
تجرد من المعطف
وضعه على النافذة المفتوحة،
وحين صفق له
كل الحضور
طلبوا منه بأصوات عظيمة
أغنية عن الحرب،
فنفض بدلته،
وابتسم، وأطرق،
ثم فك ربطة العنق،
وأومأ للملكة...
وقال... وقال... لم يقل.
بل عطس قصيدة.
(1945)

جغرافيا سماوية
لم تمت.
لقد شرعت في رحلة ليلية.
من الأزرق للأزرق الفاتح
من سماء لسماء- تجولت
في درب الحلم
بصحبة ملاكها الكتاني.

في الثالثة مساءً
ستعثر على سان إيسيدرو
بثوريه الناعمين
يجوب السماء الصافية
ليزرع كواكب
ونجوماً جماعية.

سيدي، ما الطريق إلى الفردوس؟
اصعدي بدرب التبانة،
طريق الحليب والزنبق،
الأصغر من الدببة
سأدلك على الطريق.

وفي الساعة الرابعة
ستخرج العذراء والطفل
ليدلاكِ على النجوم
التي في طفولته منذ قرون
تلعب لعبة العجلة
في غابة ثالوثية.

وفي السادسة مساءً
سيخرج ملاك الخدمات
ليعلق القمر
بمسمار ليلي.
سيكون متأخراً، إن لم تحجزي مكاناً،
قولي لجبريل أن يعيرك عشه
في شجرة الفردوس الوارفة.

ماتت ماريسيلا،
لكن بقي كتانها.
(1 يوليو 1947)