عامين قبل تولي دونالد ترامب رئاسة الولايات المتحدة، اجرى الإعلامي هيوغ هيويت مقابلة إذاعية معه، وجّه اليه خلالها سؤالاً بمنتهى البساطة: هل تعرف الفرق بين حزب الله وحماس؟ فأجاب المرشح لرئاسة اقوى بلد في العالم: «لا، لا أعرف، لكنني سأعرف الفرق عندما يحين الوقت لذلك...». ولدى اصرار هيويت على سؤاله عن التنظيمات والقيادات السياسية حول العالم التي يفترض ان يعرف أي مرشح لتولي القيادة السياسية والعسكرية شيئاً عنها، أجاب ترامب: «سأكون صريحاً، سيرحلون. قبل وصولي الى سدة الرئاسة سيرحلون. هؤلاء الذين سمّيتهم لن يكونوا موجودين بعد ستة أشهر أو سنة».
بعد عامين على المقابلة الاذاعية وانتقال الميلياردير من ناطحة السحاب في نيويورك الى البيت الأبيض في واشنطن، يبدو أن الرئيس لا يزال يجهل الفارق بين حماس وحزب الله، لا بل يبدو أنه يجهل الفارق بين حزب الله وتنظيم «القاعدة». وطبعاً هو لا يعرف الظروف والأسباب التي تقف وراء تعاظم قوة حزب الله وقدرته اليوم على التأثير في سياسة الشرق الاوسط أكثر من أي وقت مضى.
«ترامب لا يعرف شيئاً عن حزب الله» كما يؤكد بنجامين هارت في مقال صدر اخيراً في «نيويورك ماغازين»، اثر اعلان الرئيس الأميركي لدى استقباله الرئيس سعد الحريري الأسبوع الفائت بأن لبنان في مواجهة مع «القاعدة» و»داعش» وحزب الله!
لكن الرئيس الأميركي مصرّ على دعم الجيش اللبناني. وقد عمم إصراره هذا على كل الإدارات والمؤسسات والابواق الديبلوماسية الاميركية والأزلام (وما اكثرهم في لبنان).

الحريري يعلم أن الحزب بات قوة إقليمية لا مكان للدول الصغيرة في مواجهتها

فلا يوجد تصريح أو بيان أو خطاب يتناول لبنان والعلاقات اللبنانية ــــ الاميركية الا تضمّن تشديداً على الدعم الاميركي للجيش اللبناني. وفي بعض الأحيان تستخدم لغة «تربيح الجميلة» وتقام احتفالات ضخمة بحضور كل طاقم السفارة بلباسهم الرسمي الانيق، وتعزف الفرقة الموسيقية النشيدين اللبناني والأميركي، ويقام كوكتيل فاخر لمناسبة تقديم بعض الآليات المستعملة ومدفعية قديمة العهد. وللسخرية، يتباهى بعض الاميركيين بأن المساعدات العسكرية الاميركية للجيش اللبناني منذ عام 2006 بلغت مليار دولار أميركي. مليار دولار بالكاد تكفي لشراء ثلاث مقاتلات جوية اف 22 رابتر الحديثة (سعر الواحدة يتجاوز 300 مليون دولار).
لكن ما الجديد؟ هل تسعى إدارة الرئيس ترامب جدياً الى تحقيق وهم الايقاع بين الجيش والمقاومة؟ هل ما قصده ترامب بتصريحه أمام الحريري هو تعبير عن رغبة أو عن خطة وضعتها واشنطن واستبق ترامب ادارته في الإعلان عنها باكراً؟
الصحافية الاميركية المقيمة حالياُ في لبنان فانيسا نيوبي كتبت مقالاً نشر أمس في موقع «انتربرتر»، ذكرت فيه انها حصلت على «أدلة مادية ان هناك حالياً دعماً أميركياً للجيش». وادعت انها التقت بـ«مجموعة من الاميركيين في بار في شرق بيروت» قالوا لها إنهم «في بيروت بناء على توجيهات الرئيس ترامب شخصياً لتقديم الدعم والمساعدة للجيش اللبناني». وأضافت انها عندما سألتهم عن الجهاز أو الوكالة التي يعملون لصالحها رفضوا الإجابة وأنهوا الحديث معها على الفور.
«ترامب لم يخطئ عندما تناول حزب الله» بحسب الصحافي بول شنكمان (يو اس نيوز) و«لم يتفاجأ الحريري بالخطاب لأن ترامب كان قد صارحه بشأن موقفه من حزب الله خلال اجتماعهما».
على أي حال لم يكن ذلك مفاجئاً لأحد في لبنان. فرئيس مجلس الوزراء ذهب الى واشنطن وهو يعلم جيداً أن حزب الله بات اليوم قوة إقليمية لا مكان للدول الصغيرة في مواجهتها، كما لا مكان له لمنع أحد من محاولة النيل منها، حتى ولو أتت المحاولة عن طريق الايقاع بين الجيش والمقاومة.
هذه المقاومة تعلمت من خلال سنين من التجربة ان عليها ان تعتمد على نفسها.