ضحايا كثر يسقطون على طريق عام منطقة الفياضية الواصلة إلى ما كان يسمّى سابقاً «دوّار» الصياد. يُسحق مشاة كثر، وهم يعبرون من ضفة إلى أخرى، تحت عجلة سيارة.في النقطة التي كانت تسمى سابقاً «مستديرة الصيّاد»، وُلدت مشكلة الموت المتنقل مع بدء مشروع أوتوستراد الرئيس إميل لحّود قبل سنوات. المشكلة الأساس تكمن في «الخطأ الهندسي الذي لم يلحظ حركة المواطنين وتنقلاتهم عند محوّل الصياد»، بحسب ما ينبّه أحد المطلعين (رافضاً ذكر اسمه) على المشروع الذي أشرف عليه مجلس الإنماء والإعمار.

ويوضح أنّ «دراسة المشروع، يومذاك، تمّت بافتراض أن النقل العام في لبنان باب أول، وأن على وسائل النقل (الفانات تحديداً) التوقّف تحت المدرسة الحربيّة لجهة بيروت، على أن يختار الراكب من هناك الباص الذي سيستقله بحسب وجهة سيره، إما إلى مناطق المتن الجنوبي أو إلى الشيّاح». لكن، على أرض الواقع، فات دارسي المشروع أن لا نقطة توقف تحت المدرسة الحربية، وأن لا باصات للنقل العام تقلّ الركاب إلى داخل الحازمية ومناطق المتن وفرن الشباك والدورة، بل فقط تلك التي تتجه إلى طرابلس وتقف تحت جسر وزارة الدفاع في اليرزة، وهي غالباً تقلّ عسكريين متجّهين إلى الشمال.

مخططو الاوتوستراد افترضوا أن النقل
العام في لبنان
«باب أول»


ويوضح كامل ابراهيم، مدير الأكاديمية اللبنانية للسلامة المرورية، أن «مصمّمي التخطيط اعتبروا أن ثمة خطّين أو وجهتي سير، وعلى الراكب أن يختار حين صعوده من البقاع ركوب باص متوجّه إلى الحازمية أو إلى الضاحية». لكن، المشكلة «أن معظم الفانات تذهب في اتجاه مار مخايل والشياح، فيضطر البعض للنزول عند نقطة الصياد وقطع الطريق، الأمر الذي يشكّل خطراً على حياتهم».
ما يجري فعلياً هو أن أصحاب الباصات الآتية من البقاع إلى بيروت، والذين يتجهون حصراً نحو منطقة الشياح، ابتكروا موقفاً طارئاً عند مدخل النفق، مستفيدين من غياب الدولة الفاضح. هناك، يُنزلون ركاب «القاطع الجنوبي»... «والإتكال على الله». ولا خيار أمام هؤلاء سوى اجتياز الأوتوستراد إلى الجهة اليمنى حيث تنتظرهم سيارات أجرة تقف بشكل مخالف للسير أيضاً. في المسافة الفاصلة بين الضفتين، والتي بالكاد تبلغ عشرة أمتار يُطلق عليها هندسياً «الجزيرة الوسطية»، يقتل أبرياء كثر.
ويلفت مصدر أمني إلى أنه «كان على القيمين على المشروع أن يدرسوا تحرّك الناس في هذه المنطقة، وأن يعملوا على إيجاد مواقف بجانب الأوتوستراد، لا السماح باستحداث مواقف مخالفة في وسطه». ويتابع: «نحن موجودون طيلة اليوم ونسطّر محاضر ضبط، لكن ماذا تفعل بالناس؟ ثمة واقع. يفترض وجود جسر للمشاة قريب من نقطة تحرك المواطنين، لا الاكتفاء بالجسر الذي يتم استعماله حالياً لأنه بعيد عن النقطة موضوع حديثنا»، مشيراً إلى أن لا إمكانية لوضع لافتات لخفض السرعة أو اجتراح حلول مؤقتة للإشارة إلى وجود مشاة «إذ أن هذا يتنافى وقوانين السير المعمول بها على الطرقات العامة». ويعيد التأكيد أن «المشكلة في التخطيط الذي جرى على أساس وجود نقل مشترك».
بحسب ابراهيم، الحل يكون بـ «منع الفانات من التوقّف وسط الطريق، ودفعها إلى التوقف قبل هذه النقطة بنحو 300 متر، وفي الوقت نفسه منع سيارات الأجرة من الوقوف على الضفة المقابلة».
وحول فرضية استحداث موقف للعموم عند المدخل الأول إلى الحازمية (شارع سعيد فريحة)، يلفت ابراهيم إلى أن «لذلك شروطاً، منها وجود رصيف لإقامة موقف للسيارات لا يحجب الطريق العام والتحقق ما إذا كان ثمة عقار لإقامة موقف». لكن، كل ذلك يحتاج للوقت، وما يجب فعله الآن هو «الصرامة في تطبيق قانون السير في انتظار إيجاد بديل عملي».
قد يشكّل تطبيق القانون رادعاً لأصحاب سيارات الأجرة، لكنه لن يعفي من الموت المجاني بسبب خطأ هندسي قاتل في مشروع «تطويري» لم يراع القيمون عليه حركة المواطنين. ولئن كان الراكب لا يعنيه سوى الوصول بأقل وقت وأقل جهد، ولو اقتضى الأمر المخاطرة بحياته، إلا أنها ليست مسؤوليته. هي مسؤولية دولةٍ غائبة تكتفي بالعدّ.