أخيراً، وقّعت الهيئة الوطنية للعلوم والبحوث مذكّرة تفاهم لشراكة استراتيجية مع الجامعة اللبنانية، وهي اتفاقية كلّلت 7 سنوات من التعاون في إطار رسالة التحفيز على التفكير العلمي واكتشاف المواهب والعقول العلمية لدى الشباب الناشئ.
فالهيئة، وهي مؤسّسة ذات وجه علمي تربوي، دأبت منذ 14 عاماً، على تنظيم مباريات في المشاريع والابتكارات والبحوث العلمية والاختراعات، بين نخب الطلاب في الثانويات والمدارس الرسمية والخاصة على امتداد مناطق لبنان. أكثر من 900 مدرسة شاركت، لمرة واحدة على الأقل، في «مباراة العلوم» حتى اليوم، واللائحة تزداد عاماً بعد عام، حيث بات طلاب المدارس على موعد سنوي مع المباراة، ينتظرونها ويحضّرون لها بشوق، لإظهار أفكارهم وإبداعاتهم العلمية.
ومباراة العلوم حدث وطني انطلق في عام 2004، لتشهد محافظات لبنان أكثر من 30 مباراة علوم تأهيلية، كانت تتوّج في كل عام بمباراة لنخبة الفائزين من المحافظات في بيروت، ويقوم بإدارتها وتنظيمها فريق عمل يستند إلى الشباب المتطوع، ويشارك في التحكيم أكثر من 300 أكاديمي وخبير.
وبات لمباراة العلوم أثرها المباشر في العملية التربوية ككل، إذ باتت تدفع بالمدارس الناشطة لتوجيه مناهجها العلمية نحو العلوم التطبيقية والأبحاث الميدانية المجدية. وكثير من المدارس أسندت تدريس التكنولوجيا والإشراف على مشاريع الطلاب العلمية إلى أساتذة كفوئين وذوي خبرة في هذا المجال.
لقد بات أمام طلابنا اليوم، بتحفيز من مباراة العلوم، قاموس جديد من مفرداتٍ علمية متداولة، وأدوات عدة ومنوعة وعالم من العناصر والمكونات يطوّعونها ويُعملون بها أفكارهم ومهاراتهم، وصولاً الى اختراعات قد تدرّ عليهم الملايين. وهنا ندّعي نحن في الهيئة الوطنية، أن مباراة العلوم قد أسّست لعلوم «الروبوت» في مدارس لبنان، إضافة إلى أنها طورت بشكل كبير آليات البحث العلمي للطلاب وحتى للأساتذة والمعلّمين.
رقاقات إلكترونية صغيرة باتت بمتناول من يريد في كل بلاد العالم. رقاقات قابلة للبرمجة تشكل أساساً لصناعة ابتكارات مفيدة Arduino, micro-processors, timer, sensors (حساسات للرطوبة والحرارة والضوء والصوت واللمس والرائحة والدخان والغازات...) ميكروكاميرا، أجهزة التقاط وإرسال راديوي وتلفزيوني صغيرة... كلّ هذا أصبح بنك موارد لاختراعات شباب دون الثامنة عشرة، شهدت لهم معارض الاختراعات الدولية: حقيبة تتبع صاحبها في المطار، طائرة صغيرة رباعية المراوح تراقب حلبة التزلج وتبلغ عن حوادث، تطبيق يتيح إدارة نظام الري لبستانك من أي مكان تكون فيه في العالم، أجهزة إنذار متعددة موصولة لاسلكياً من بيتك على هاتفك، فيلتر لتنقية المياه مشكل من خيطان النانوكربون، جهاز يذكر المريض بأدويته ومواعيدها صوتياً وضوئياً خلال أسبوع أو أكثر، جهاز يزوّد به المريض فيأخذ حرارته وضغطه بصورة منتظمة ويرسل النتائج إلى هاتف ذويه أو طبيبه، خوذة مجهزة بحساسات تحاكي موجات الدماغ وتترجمها إلى أوامر في آلات تطبيقية، نظارة للأعمى تعمل بالموجات ما فوق الصوتية وتحذّره من الجدران والحواجز المحيطة وبعدها عنه، جهاز تعقيم المأكولات في البراد بالأشعة فوق-البنفسجية حين يكون مقفلاً، دراسة ميدانية عن التلوث الصوتي والضوضاء في شوارع مدينة صور على امتداد شهر كامل.
وقد أغدقت الهيئة الوطنية للعلوم والبحوث على الطلاب المتفوقين في المباراة بغية التحفيز على التفكير العلمي والابتكار. فعدا عن الجوائز النقدية (أكثر من 150 مليون ليرة لبنانية) والمنح الجامعية (103 منح جامعية كاملة)، عمدت الهيئة الوطنية إلى تأمين مشاركة طلاب مخترعين لبنانيين في معارض علمية عالمية، منذ عام 2011، في ألمانيا وبولندا وفرنسا والهند وتركيا وكوريا الجنوبية وإيران والكويت والأردن... والمسيرة مستمرة بدعم المؤمنين بضرورة الاستنهاض العلمي والثقافي لمجتمعنا، وبتوحيد الشباب اللبناني تحت راية العلم بعيداً عن السقوط الفئوي في الاجتماع والسياسة.
تعتمد الهيئة الوطنية للعلوم والبحوث في تمويل مشاريعها على شركائها الوطنيين، بعيداً عن استتباع التمويل الخارجي، وذلك عبر شراكاتها مع الوزارات والبلديات والجامعات والمراكز التربوية والبحثية. ويساعد في تحمّل أكلاف هذه الأنشطة، بشكل رئيسي، الوجه التطوّعي للهيئة، وهي تسعى إلى تطوير شراكاتها الوطنية والدولية بغية تمويل التطور في خططها.
وتحتضن كلية العلوم في مجمع الجامعة اللبنانية في الحدث مقرّ الهيئة الذي يضم نقطة ارتكاز «الاتحاد الدولي لجمعيات المخترعين» (إيفيا) في الشرق الأوسط، وإدارة مباراة العلوم، وحاضنة الأعمال وابتكارات العلوم والتكنولوجيا، وإدارة «معرض بيروت الدولي للاختراعات» BIIS.

*أستاذ في الجامعة اللبنانية ورئيس الهيئة الوطنية للعلوم والبحوث