قُدِّرَت خسائر حرائق عام 2007 بنحو 10 ملايين دولار، ما استوجب تطوير وإقرار استراتيجة وطنية شاملة لإدارة حرائق الغابات (قرار رقم 52 – 2009). حددت الاستراتيجية أهمية التخفيف من مخاطر الوتيرة المتصاعدة للحرائق والوقاية منها والحاجات والمعوّقات، وأبرزها النقص في التنسيق بين المعنيين بحرائق الغابات وعدم تحديد المسؤوليات وضعف الأبحاث حينها وبدائية التحاليل للأسباب المباشرة وغير المباشرة لحرائق الغابات والحاجة إلى إدارة متكاملة للغابات وإلى دور فاعل للمجتمع المحلي في هذه الإدارة كمصلحة مشتركة، وإلى توعية على أهمية الغابات وقيمتها الفعلية.
وسجلت الاستراتيجية غياب مفهوم إدارة حرائق الغابات وعدم قدرة الدولة على تطبيق القوانين، وإن كانت هناك حاجة ملحة لتحديثها (خصوصاً في ما يخص قانون الغابات الصادر في عام 1949 وقانون رقم 85 الصادر عام 1991، الذي يرمي إلى المحافظة على الثروة الحرجية والأحراج)، وسجلت أيضاً نقصاً في الموارد البشرية والإدارية في الوزارات المختصة. ومع ذلك فالخسائر التي تصيبنا في لبنان كل سنة كبيرة بسبب الحرائق، وتشمل تأثيراته الإنسان والطبيعة والاقتصاد.

سياسات ردود الفعل

ثماني سنوات على إقرار الاستراتيجية الوطنية للحرائق دون أي تنفيذ جدي لأبرز بنودها. ثماني سنوات على إقرار الاستراتيجية، ولا تزال إدارة حرائق الغابات تُعَدّ فقط ردّ فعل مباشراً على كارثة طبيعية، بغضّ النظر عن الأسباب والعوامل الكامنة وراءها، أو مدى ملاءمة السياسات الإدارية ومعاييرها التطبيقية في هذا الإطار. كذلك لا يزال هناك نقص في مستوى الوعي على عدة مستويات (الحرائق، أسبابها ونتائجها وسبل الوقاية منها). هذا وأظهر أحدث تقرير سنوي عن حرائق الغابات في لبنان، الذي أُنجز في إطار عمل تعاوني بين وزارة البيئة وبرنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند، مساحة إجمالية قدرها 1870 هكتاراً من الحرائق في عام 2016 فقط. مع الإشارة إلى أن موسم الحرائق في السنة الماضية كان كارثياً أيضاً على المستوى البشري، حيث استشهد ثلاثة من رجال الإطفاء أثناء أدائهم لواجباتهم، فيما أصيب عشرات الأشخاص باستنشاق الدخان.

تعدد المسؤوليات والصلاحيات

التهمت الحرائق 1870 هكتاراً في عام 2016 فقط

حالياً، هناك تعدد مسؤوليات وصلاحيات في ملف الحرائق بين عدة جهات وإدارات، وهناك غياب لآلية تنسيق بين كافة الهيئات المعنية بملف حرائق الغابات. تتوزع مهمات إدارة خطر الحرائق على عدة وزارات وإدارات رسمية. أبرز محاور هذه الإدارة والجهات المسؤولة عنها: تقليص الخطر والوقاية والجاهزية (البيئة، والزراعة، والداخلية والبلديات، ومجلس الإنماء والإعمار)، والاستجابة (الزراعة، والداخلية والبلديات والدفاع الوطني). تتولى غرفة العمليات المركزية التابعة لمديرية الدفاع المدني، بالإضافة إلى وحدة إدارة الكوارث في رئاسة مجلس الوزراء التنبه من خطر اندلاع الحرائق ومتابعة العمليات وتنسيقها في حال اندلاعها.

الإجراءات المطلوبة

في ظل هذا التوزيع الإداري تبقى ضرورة اتخاذ الإجراءات القانونية والإدارية والتقنية للحد من مشكلة اندلاع الحرائق، وأبرز هذه الإجراءات: تحديث القوانين، ما ينظّم صيانة الأحراج وحمايتها، تطبيق لمفهوم الثواب والعقاب وتوفير العناصر المطلوبة للإدارة الجيدة للحرائق، متابعة المفارز القضائية المعنية للتحقيقات التي تباشرها وحدات الدرك في حوادث اندلاع الحرائق، توفير الموارد التقنية والمالية والبشرية والتجهيزات والحاجات للإدارات العامة المعنية بمكافحة الحرائق.

ما الذي ينتظرنا؟

نحن الآن على أعتاب فصل حرائق جديد يحمل على ما يبدو مخاطر كبيرة، ما يتطلب جهداً استثنائياً في هذه المرحلة لمعالجة هذه القضية الحياتية. ولطالما شكلت حرائق الغابات في لبنان مشكلة حقيقية، أحدثت ــ ولا تزال ــ أضراراً جسيمة في الموارد الطبيعية. وقد أدت هذه العوامل المذكورة إلى خلل كبير في الأنظمة الإيكولوجية، ما حمل تأثيراً سلبياً على حياة المجتمعات المحيطة. لا شك، نحن في حاجة خلال المرحلة المقبلة إلى التزام الدولة في تطبيق الاستراتيجية الوطنية لحماية ما بقي لدينا من غابات وغطاء نباتي. نحن في حاجة أيضاً إلى الاستفادة من الموارد التقنية المتوافرة وتطويرها لإدارة حرائق الغابات بنحو أكثر فاعلية. من هنا ضرورة تطوير إجراءات عملية بهدف التقليص من خطر التعرض للحرائق والحدّ من عواقبها الاجتماعية والبيئية، بالإضافة إلى الوقاية من الحرائق الكبيرة والمدمرة.

نظام جديد للتنبيه

في هذا الإطار عمل برنامج الأراضي والموارد الطبيعية في معهد الدراسات البيئية في جامعة البلمند على تطوير نظام جديد للتنبه من خطر الحرائق الحرجية في لبنان ضمن مشروع «نحو تقييم وإدارة أفضل لخطر الحرائق عند الواجهة المدنية – البرية في لبنان: الاكتساب من التجربة الأميركية» المنفذ في جامعة البلمند في إطار برنامج PEER للشراكة من أجل تعزيز المشاركة في الأبحاث، الممول من الوكالة الأميركية للتنمية الدولية (USAID).
(المصدر: تقرير الحرائق لعام 2016 - وزارة البيئة / جامعة البلمند) | للصورة المكبرة انقر هنا
تستند الإدارة الفعالة لخطر حرائق الغابات إلى المعرفة السليمة لاحتمال انتشار الحريق وتمدده في حال وجود مصدر للنار، وصعوبة السيطرة عليه، وآثاره المحتملة. يأخذ النظام الجديد في عين الاعتبار خصائص الغطاء الحرجي وحساسية الأراضي من ناحية احتمال تضررها جراء الحريق، بالإضافة إلى توقعات الطقس البيانية.
وبشكل أكثر تحديداً، ينتج النظام توقعاته على فترة 9 أيام، ويمكن استخدام التطبيق الخاص لهذا النظام، وفي أي وقت كان على شبكة الإنترنت (http://firelab.balamand.edu.lb/FireLabWeb/FireDanger) لتصفح خطر الحريق على مستوى البلدية أو القضاء أو على المستوى الوطني الشامل. أيضاً، يمكن المستخدمين تنزيل وطباعة النشرة اليومية لخطر الحريق في لبنان والمحدَّثة يومياً.


تطبيق Firelab

عموماً، إن النظام الجديد للتنبه من خطر الحريق هو جزء من تطبيق Firelab الذي طوره سابقاً الفريق البحثي للمشروع كأداة تطبيقية لإدارة خطر الحرائق في لبنان والذي يساعد في تحسين إدارة خطر الحرائق وعملية اتخاذ القرار تماشياً مع الأهداف الرئيسية للاستراتيجية الوطنية لإدارة حرائق الغابات. ويوفر هذا التطبيق إطاراً لتنظيم المعرفة العلمية والخبرة العملية ودمجهما، ومن المتوقع أن يمهد الطريق نحو إجراء تقييم وإدارة أفضل لخطر الحرائق الحرجية في جميع أنحاء البلاد، وللمساعدة في اتخاذ التدابير الوقائية والضرورية للحد من خطر اندلاع الحرائق. إن النظام الجديد للتنبه من خطر الحريق هو نتاج عمل علمي مكثف أنجز في لبنان على أمل أن يحقق أهدافه المرجوة للحد من نسبة الحرائق، بالإضافة إلى تفعيل إجراءات الوقاية والمكافحة.







أكثر الأسباب شيوعاً

من أكثر الأسباب المباشرة للحرائق شيوعاً هي تقشيش الأراضي من الأعشاب والبقايا الزراعية أو تنظيفها بواسطة النار، رمي أعقاب السجائر المشتعلة في المساحات العشبية اليابسة، واستخدام النار للطهو في الغابات أثناء الرحلات، وعدم التأكد من إخمادها تماماً، إضرام النيران في مكبّات النفايات، الألعاب النارية، وافتعال الحرائق بقصد الأذى، فضلاً عن تغيير وجهة استخدام الأراضي.




الإجراءات المطلوبة

- تشجيع الممارسات الزراعية وأعمال الرعي التقليدية المنظمة والخاضعة للرقابة.
- تشجيع التحطيب المنظم، تزويد المزارعين والرعاة بالحوافز التي تحول دون قيامهم بإحراق البقايا الزراعية والعشبية والمراعي خلال مواسم الحرائق.
- تشجيع الاستثمار بالمنتجات الحرجية غير الحطبية التي تلعب دوراً مهماً في تقليص نسبة الخطر.
- تنظيم أعمال التشحيل والتفريد وسحق بقايا الأغصان المقطوعة وفرمها.
- بالتزامن مع ذلك، يجب تفعيل المراقبة المحلية وتطبيق نظام لقياس خطر اندلاع الحرائق وإعداد خرائط لتحديد مخاطرها، وذلك على المستويين المحلي (البلديات) والوطني.