«حسناً، لقد ربحتم 50 مليون ليرة لبنانية، وعليكم أن تستخدموها لتصمموا ديكور وأثاث منزل مكوّن من 3 غرف»، بهذه العبارة يفتتح المهندس كلمته لطلاب المرحلة المتوسطة أو الثانوية الموزعين على مجموعات من 4 أو 5 طلاب في الصف. وبعدها يوزع عليهم خريطة هندسية للغرف مع مساحاتها وأحجامها، ليقوم بشرح المطلوب:- أن ينتجوا خريطة هندسية نهائية لتوزيع أثاث المنزل.
- أن ينتجوا spreadsheet (جدول) بكل الأثاث المنوي شراؤه مع كلفته.

- أن ينتجوا لائحة بالتحسينات المنوي إضافتها إلى المنزل (الكلفة، النوعية، السبب والحاجة)، أي إنّ عليهم أن يعرفوا أسعار الدهان وورق الجدران، أثاث غرفة النوم، أسعار الألومينيوم والخشب ليقوموا بتصميم هندسي لديكور منزل الأحلام. وللتأكد مما إذا كانت الكلفة ضمن الميزانية المحددة، على الطلاب أن يذهبوا ويقابلوا اختصاصيي ديكور، مهندسين، متعهدي أعمال صيانة (سمكري، دهان، بلّاط). وعليهم أن يبحثوا على الإنترنت وفي محال الأثاث عن الأسعار، وعليهم أيضاً أن يقرروا نوع الفراش الذي ينوون استعماله (ستيل، مودرن، قرن سادس عشر...)، وبعدها عليهم أن يتعلموا توزيع الأثاث وفق المساحات الموجودة. وعند انتهائهم من المشروع (تحت إشراف الأستاذ) يعدون عرضاً (presentation) يقدمونه أمام زملائهم في الصف.
هذا النوع من التعليم اسمه «التعليم بواسطة المشاريع» (Project Based Learning). يتعلم الطلاب من هذا المشروع: الرياضيات (المساحات، الأسعار، مقارنة الأرقام، العمليات الحسابية)، الثقافة ونوعية الأثاث وارتباطه بالتاريخ أو حضارة البلد أو الجغرافيا، استعمال الرسوم الهندسية، تخطيط وتنفيذ المشاريع الواقعية، عرض الأفكار والثقة بالنفس، مهارات كومبيوتر (PowerPoint... إلخ) ومهارات العمل ضمن فريق والتواصل المهني (مع أصحاب المهن) والاجتماعي.
ترتبط هذه الطريقة التعليمية بالواقع، بحيث لا تبقى مسائل الرياضيات (مثلاً) حسابية نظرية، بل يصبح كل ما يتعلمه الطالب مرتبطاً بواقعه. تصبح المدرسة أكثر تفاعلية وإيجابية، بحيث يحرك قلبه وعقله لتحقيق المشاريع.
وأيضاً يتعلم الطلاب مهارات يحتاجونها لحياتهم الشخصية وللجامعة مثل مهارة البحث والتدقيق وعرض الأفكار ولحياتهم المهنية (التعرف إلى المهن الواقعية وأسواقها).
ويصبح التعلم أكثر متعة وجاذبية، إذ يكون الطالب مسؤولاً عن مشروعه، وكلنا يعلم مقدار الطاقة الموجودة لدى الأولاد.
يساعد التعليم بواسطة المشاريع الطلاب أيضاً على تطوير استعمالهم للتكنولوجيا، فيكون التعلم تطبيقياً وليس أدواتياً. إلى ذلك، يتدربون كيف يتفاعلون ويتعاونون ويتشاركون المواد المنتجة.
من الأمور المهمة التي لها انعكاسها على ثقة الطلاب بأنفسهم أنهم يصبحون خبراء في المشاريع التي يبحثون فيها، بل ويصبحون قادرين على تعليمها.
تجدر ملاحظة أن هذا الأسلوب يجب أن يطرح مشاريع واقعية موجودة في بيئة الطلاب، ويكون أحد أهدافه حل المشاكل وليس مجرد مشاريع مدرسية (مثل تصميم poster أوملصق ومجسم)، فيعاد تصميم وقولبة العملية التعليمية ضمن مشاريع احترافية وبمواصفات عالية، ما يغير حتى نمط الامتحانات ومعاييرها.
وأرقام الدراسات تشير إلى نتائج مميزة للطلاب الذين يتبعون هذا المنهج، حيث قامت مدارس cedar rapids في الولايات المتحدة الأميركية بتطبيق طوعي لهذا المنهج (الطلاب يحددون ما إذا كانوا يريدون أن يدرسوا بناءً على هذا المنهج)، وأظهرت النتائج تميز طلاب المشاريع عن غيرهم، إذ أتت نسب التحسن كالآتي: العلوم: 24%، الرياضيات: 23.4%، اللغة الإنكليزية: 23.1%
هذه المنهجية ليست جديدة وتطبق في مدارس عدة في لبنان والدول العربية، وإن جزئياً، لكن لنعترف بأن هناك مقاومة شديدة للتغيير في القطاع التربوي.
للتواصل مع الكاتب [email protected]
*أستاذ جامعي