سيناء | تنفرد «ولاية سيناء» التي قبل أبو بكر البغدادي، أمير تنظيم «داعش»، بيعتها، بأنها الولاية الوحيدة التي بايع فيها تنظيم ــ كان يسمى «أنصار بيت المقدس» ــ البغدادي من دون أن تكون فعلياً قد استولت على الأرض. ولهذا «الانفراد» أسباب كثيرة، منها توسط سيناء البلاد العربية واعتبارها ممراً للسلاح والعناصر، وتنشط فيها المنافسة بين التنظيمات الجهادية، وخاصة القاعدة، التي نزعت صحراء سيناء من يدها من غير حرب مع «القاعدة»، وسلمت لـ»داعش» في بيعة سارع البغدادي إلى قبولها.
شمال سيناء تحديداً هو مسرح العمليات التي تصول فيها «ولاية سيناء»، والأخيرة لم تكن إصداراتها المرئية أو طريقة عملها «احترافية» بالمقارنة بما تعرضه المجموعات الإعلامية من إصدارات مرفقة بمؤثرات كثيرة في سوريا والعراق، ولكن اختراق البيئة البدوية في سيناء له حكايته الطويلة، التي أنتجت هذه الحالة القديمة ــ المستجدة، والتي تستعين بالخبرات الأجنبية (العربية والغربية) لتطوير عملها في بيئة صحراوية قاحلة.
اجتماع عسكري عالي
المستوى في مقر الكتيبة
الثانية للتحقيق والمتابعة

حتى يومين، عانت الشيخ زويد، التي هي إحدى أهم ثلاث مدن في الشمال إلى جانب رفح المصرية والعريش (عاصمة الشمال)، وكادت تسقط بيد «الولاية» لتكون أرضاً صلبة تكمل فيها حربها على الجيش والشرطة، وهي في الوقت ذاته على مرمى حجر من فلسطين المحتلة، وبينها وبين غزة أقل من 15 كلم.
صحيح أن الجيش المصري لم يستطع منع الضربة الأولى التي شارك فيها نحو 300 مسلح، ولكنه بادر إلى مواصلة الحرب المعلنة بين عدوين كل منهما كان يتربص بالآخر. وسط ذلك، كان لا بد من سقوط ضحايا مدنيين لم يتحدث عنهم الإعلام، بل سقطت على بيوت الناس قذائف من هنا وهناك خلّفت عشرات الجثث التي ظلت ملقاة في الشوارع لنحو 10 ساعات، ومنهم مصابون فارقوا الحياة قبل أن يسمعوا صفارات الإسعاف تأتيهم.
الناس هنا مكلومون، تماماً كما الجيش الذي جرح جرحاً غائراً ويبحث عن «ردّ مزلزل». حتى الآن، ورغم استمرار المعارك وحملة الجيش الكبيرة، فإن المدينة التي بقيت في حضن «المحروسة» خرجت من نهار «فظيع»، لكنها تناشد أمها القاهرة أن تمد إليها يداً حانية تهدّئ روع أهلها، وتبث الأمن بين أطفال ونساء علا صراخهم وسط «صولات داعش» التي اجتاحت بيوت المدينة وربوعها.
فضلاً عن الأمان، فإن نظرة واحدة، كما يفيد شهود عيان، تظهر أن الشيخ زويد عادت خمسين عاماً إلى الوراء، بعدما أتت المعارك على كل شيء: أقسام الشرطة والجيش مدمرة، وأعمدة الكهرباء والمحولات الأساسية كلها تعانق الأرض، ما أخرج المدينة من هذا العصر، وحوّل نهارها إلى حظر تجوال، وليلها إلى ظلمات فوق ظلمات الصحراء.
لا يعرف الأهالي هل يداوون جراحهم أم يناشدون الدولة التي تخوض حربها «المصيرية» من أجل عودة الخدمة، فيما يحجم العمال عن دخول «شوارع الأشباح»، ويخبرون بأنهم يحاولون التواصل مع عدد من المسؤولين، ومنهم محافظ شمال سيناء اللواء عبد الفتاح حرحور، الذي لم يبد أي استجابة تجاه مناشدات الأهالي، ممن يرفضون أن يكونوا الحجر الأول لـ»دولة داعش» في مصر.
في الميدان، فإنه بعدما فك المسلحون حصارهم عن الشيخ زويد بسبب تزايد الضربات عليهم، باشرت قوات الجيش نقل جثامين ومصابي معركة الأربعاء الدامية، على متن مدرعات توجهت إلى قاعدة الجورة الجوية في معسكر «القوات الدولية لحفظ السلام»، وهو أسلوب يتبع للمرة الأولى بعدما لم ينجح نقلهم إلى مطار العريش الدولي، خشية استهدافهم في الطريق بين المدينتين، وليس ذلك على «داعش» التي تشق القبور ببعيد.
كذلك يفيد شهود عيان في المدينة بأن طائرات من طراز «أباتشي» و»أف 16» باتت تقصف أي بيوت خالية، حتى لو كانت عائدة إلى مدنيين نزحوا من هنا خوفاً على أرواحهم، وذلك تحرزاً من أن يستفيد منها «ولاية سيناء»، فيما يضرب الأهالي كفاً بكف على ضياع بيوتهم. كذلك يمنع الجيش بعض من نزحوا من العودة إلى منازلهم، وسط صراخهم بأن ذلك يمثل «تهجيراً قسرياً» لهم.
إذن، انسحب عناصر «ولاية سيناء» من الشيخ زويد، واستقلوا سيارات دفع رباعي صوب جنوب المدينة وهم ينقلون جثث قتلاهم ومصابيهم جراء قصف الطائرات، ولكن لا تزال كميات كبيرة من العبوات الناسفة في شوارع المدينة نصبها المسلحون أثناء اجتياحهم لها، كذلك نقل شهود آخرون أن ثمة جثثاً للدواعش نقلت إلى مستشفيات في الشيخ زويد والعريش.
في سياق متصل، تشرح مصادر أمنية أنه جرى تشديد الحراسة على حدود مصر مع الأراضي الفلسطينية المحتلة وقطاع غزة، لمنع تسلل أي عناصر أو دخول أسلحة ومؤن للمسلحين، مع إغلاق محيط المنطقة الحدودية بالكامل ومنع اقتراب المواطنين منها.
وتضيف المصادر أنه تم نشر عناصر مراقبة سريين من أبناء القبائل التي أرسلت إليها تنبيهات بضرورة تبليغ الدولة بأي حركة مريبة. ونقلت أن تعزيزات أمنية كبيرة وصلت مدينة العريش، وتحديداً في مقر الكتيبة العسكرية «101»، من دون أن تتقدم إلى جنوب الشيخ زويد بعد.
وعلمت «الأخبار» أن وفداً أمنياً من القاهرة اجتمع أمس مع قيادات عسكرية، في مقر الكتيبة التي تدير العمليات، بإشراف قائد الجيش الثاني الميداني اللواء ناصر العاصي، وأنه خلال الاجتماع تمت مناقشة تفاصيل الهجمات مع فتح تحقيقات بحق مسؤولين اتهموا بالتقصير في جمع المعلومات وتأخر رد الفعل.