القاهرة | عقب 30 حزيران (يونيو) 2013، بدأت السياسة المصرية في تأدية دور التابع في علاقتها بالسعودية، ليجر الموقف بظلاله على المؤسسة الدينية الرسمية (الأزهر) ومواقفها التي بدت مجاملة للمملكة الوهابية! تشير الحوادث في مصر خلال الفترة الماضية، إلى تقلص مساحات التجديد في الخطاب الديني، واتجاه الأزهر إلى الإطاحة بأي محاولة «عصرية» لفهم التراث خارج سياق المشيخة وأقانيمها، رغم تداول مفهوم «التجديد» بكثافة بين النخب المصرية المختلفة، دينية وغير دينية. وخلال ندوات تجديد الخطاب التي تعقدها المشيخة، تسيطر لغة العنف والإقصاء، وتتفشى اتهامات التواطؤ ضد الدين، وإقصاء الآخر وإلقاء التهم بمعاداة الدين والسعي إلى هدمه، و«نشر دين جديد» بتعبير وكيل مشيخة الأزهر عباس شومان.
بتعبير المصريين، «الرُّز» الدال على أموال النفط التي تدفقت على مصر مع بداية فترة رئاسة عبد الفتاح السيسي، يلاحظ تأثير الرز السعودي على مواقف مؤسسة الأزهر وشيخها أحمد الطيب، عبر تبني مواقف ووجهات نظر سلفية، كان الأزهر يرفضها في الماضي.

إذ نشهد في السنوات الأخيرة تقارباً أزهرياً وهابياً، وصل حد لقاءات جمعت بين رموز الأزهر وقيادات الدعوة السلفية في مصر، وإغلاق مسجد الحسين في وجه المتصوفين خلال احتفالات عاشوراء بزعم منع «الشيعة» من ممارسة اللطيمات! لكنّ العلاقة بين الدولة والجماعات السلفيّة، ليست «سمناً على عسل» دوماً. تلعب الأجهزة الرسمية مع السلفيين لعبة العصا والجزرة. في الوقت الذي يترك الأزهر مساحة للتقارب، تمنع وزارة الأوقاف قيادات الدعوة السلفية من الخطابة بحجة عدم دراستهم الأزهرية، مما أسفر عن منع أغلب السلفيين في مصر من اعتلاء المنابر.

الإطاحة بأي محاولة
«عصرية» لفهم التراث
خارج سياق المشيخة

الأزهر الذي يتمسح دوماً في ما يسميه بـ «الوسطية»، عمل خطابه الرسمي خلال السنوات الأخيرة على إزكاء الطائفية وتجذير التطرف، وكان بعيداً عن مفاهيم المواطنة بل عاداها أحياناً، ولم يقم الخطاب ولا منشئوه بالدعوة إلى الخروج من أزمتنا الحقيقية، المتمثلة في وجود الإنسان في أنساق غير إنسانية، والعمل على إيجاد مناخ ديمقراطي حقيقي مرتبط بمشروع ثقافي.
إرضاءً للسعودية، توقف الأزهر وشيخه عن نقد الوهابية. شيخ الأزهر أحمد الطيب كان دائم الهجوم عليها وقت توليه رئاسة جامعة الأزهر (2003-2010) وعرف عنه دفاع «الشرس» عن الأشعرية (المذهب العقائدي الرسمي للمشيخة)، وسبق أيضاً أن أوضح أن الأزهري الحقيقي لا يمكن أن يقع في «فخ السلفيين»، مشيراً إلى أن بعض الأزهريين ضعاف التأسيس العلمي وقعوا في الفخ، وأن الأخيرة ليست مذهباً، وأن كلمة السلف بصيغتها لم ترد في القرآن إلا مرة واحدة وجاءت مذمومة، مشدداً على أن السلفيين الذين يفسقون الفرق الإسلامية الأخرى هم «غلاة الحنابلة»، ولا يمتون للسلف الصالح بصلة.
بيّد أنّ الرجل الذي رفض تفسيق الفرق الإسلامية، ويميل إلى خطاب «تلطيف الأجواء» في أحايين كثيرة، يتبنى أحياناً مواقف «رافضة» في أقلها وتكفيرية في جوهرها، إزاء أتباع المذهب الشيعي. نذكر مثلاً قيام «مجلة الأزهر» ــ وقت كان يشرف عليها محمد عمارة ـ بإعادة طبع كتاب «الخطوط العريضة لدين الشيعة» لمحب الدين الخطيب، في تشرين الأول (أكتوبر) 2012، بعدما مر أكثر من ستين عاماً على طبعته الأولى. احتوت الطبعة الجديدة التي وزعت كهدية مجانية مع المجلة، على دراسة وتقديم لعمارة نفسه. علماً أنّ تكفير الشيعة لدى الوهابية يتخذ منحى واضحاً ومعلناً، نظراً إلى السياق السياسي والاجتماعي الذي يسمح بذلك ويغذيه أحياناً، في ضوء الصراع الإقليمي بين إيران والنظم الحاكمة في الخليج وغيرها من النظم التي تحكم دولاً عربية ذات أغلبية سنية أبرزها مصر. وحسبما تكون حدة الصراع تكون نبرة التكفير والإقصاء والرفض.