قبل ست سنوات، وفيما كانت المنطقة تتلقى صدمة التطوّرات السورية، دعا الملك السعودي الراحل، عبد الله بن عبد العزيز، قادة الدولة الخليجية في قمّتهم الـ32، إلى «تجاوز مرحلة التعاون إلى مرحلة الاتحاد في كيان واحد يحقق الخير ويبعد الشر»، محذّراً إيّاهم من التحديات المقبلة.
يومها، ربط الملك الراحل الحاجة إلى العبور بمجلس التعاون نحو مرحلة «الاتحاد»، بكون الدول الخليجية جزءاً من الأمة العربية، تندفع بقوة «الواجب» من أجل «مساعدة أشقائنا في كل ما من شأنه تحقيق آمالهم وحقن دمائهم وتجنيبهم تداعيات الأحداث والصراعات ومخاطر التدخلات». كانت سوريا وما يجري فيها من «إرهاصات ثورة» متأثرة بموجة «الربيع العربي»، الدافع الأساسي الذي انطلق منه الملك السعودي لتوجيه دعوته تلك، وأيضاً الهاجس الأساسي الذي دفع قادة الخليج إلى «هزّ رؤوسهم» بالموافقة على الاقتراح، على الرغم من أطنان الخلافات والاختلافات والتباينات التي تمنع تحويله إلى حقيقه.
في السنوات الستّ التي تلت رحيل الملك عبدالله، وتسلّم الملك سلمان الحُكم، وتهيئة الظروف لمرحلة اعتلاء ولي ولي العهد محمد بن سلمان عرش المملكة، سارت الأحداث في المنطقة، في سوريا واليمن تحديداً، على نحو أبعَدَ عوامل كثيرة يتطلّبها التحوّل إلى حالة الاتحاد، بين دول حاولت السعودية لَمّها حول فكرة أساسية هي شيطنة إيران بوصفها خطراً وجودياً، ونبذ تيار «الإخوان المسلمين» بوصفه مزاحِماً لهويّتها الدينية.

عوامل تعثّر
تجربة مجلس
التعاون الخليجي
هي ذاتية بحتة


راية العداء لإيران التي رفعتها السعودية لتبرير حربها على اليمن ودعمها فصائل مسلّحة في سوريا، شكّلت مناسبة مهمّة لاختبار مدى نجاح «الاتحاد». ومن بوابة الأحلاف العسكرية، جرّبت السعودية قيادة «تحالف إسلامي» عريض في اليمن، تقلّص إلى «تحالف عربي»، لم تأتِ نتائجه على نحو أفضل ممّا سجّلته قوات «درع الجزيرة»، الذراع العسكرية لمجلس التعاون الخليجي، حين فشلت في منع الغزو العراقي للكويت عام 1990، قبل أن تتحوّل إلى «قوات تدخّل» تقمع المتظاهرين في البحرين. حتى اقتصادياً، فشل المجلس حتى الآن في اعتماد عملة موحّدة أو إنشاء سوق مشتركة.
عوامل تعثّر تجربة مجلس التعاون الخليجي، فضلاً عن فشل تحوّله إلى اتحاد، على غرار الاتحاد الأوروبي، هي ذاتية بحتة، وإنْ كانت عوامل خارجية قد استُخدمت لتبرير الفشل تارة، ولشدّ العصب الديني تارة أخرى. يقول وزير الدولة للشؤون الخارجية الإماراتي أنور قرقاش، في تغريدة، إثر تفجّر الخلاف مع قطر، إن هذه الأزمة الحادّة بسبب إيران، تشكّل خطراً كبيراً على مجلس التعاون الخليجي، ووضَع «تغيير سلوك» قطر شرطاً لاستعادة الثقة. تكفّلت وسائل الإعلام السعودية والإماراتية بتفسير المقصود بتغيير سلوك قطر، وتحدّثت عن «سلّة شروط» لتحقيق ذلك، على رأسها قطع العلاقات مع إيران، وكفّ الدوحة عن لعب دور الحاضنة لـ«الإخوان».
قبل نحو عام، حمّل الرئيس الأميركي السابق باراك أوباما، في مقابلته الشهيرة مع مجلة «ذي أتلانتيك»، مسؤولية الفوضى في سوريا والعراق واليمن، لـ«المنافَسة بين السعودية وإيران»، داعياً الطرفين إلى «إيجاد السبيل الفعّال لإقامة علاقات حُسن جوار ونوع من السلام الفاتر». بالطبع، لم تكن الأزمة الحالية لتنشب في عهد أوباما. لكن الرئيس الحالي دونالد ترامب، الذي أيّد صراحة الإجراءات العقابية بحق قطر، واعتبرها «بداية نهاية الإرهاب»، وضعها في خانة التزام قادة المنطقة بوعودهم، التي قطعوها له في الرياض، بمحاربة الإرهاب.
تتعامل السعودية مع «اختبار» عزل قطر، على أنه حلقة أولى من حلقات إعادة صياغة البيت الخليجي على نحو يؤمّن لها إعادة صياغة هويتها الخاصة، كـ«قائد للعالم الإسلام السُّني».
وفي هذا الإطار العقائدي، يمكن وضع الصراع المستجد مع قطر، مع كل الأدوات السياسية والاقتصادية المستخدمة فيه، خصوصاً أنه أتى فور انتهاء زيارة ترامب للسعودية، وبعد افتتاحه مع الملك سلمان، مركز «اعتدال» لمحاربة التطرّف والإرهاب، من قلب العاصمة الرياض.
في المحصّلة، يمكن فهم التركيز السعودي والإماراتي، على جزئية الإرهاب والتطرّف في التصعيد ضد قطر. ومن هذه الزاوية أيضاً، يمكن قراءة تحوّل الإعلام السعودي ومَن يدور في فلكه، إلى اتهام قطر بدعم أنصار الله في اليمن، وحزب الله في لبنان، فضلاً عن حماس في غزة، إضافة إلى فصائل مسلحة في سوريا، من باب المساواة بين الجهات المدعومة من جهة، والمساواة بين الجهات الداعمة (قطر وإيران) من جهة ثانية، كجهات إرهابية متطرّفة.
وانطلاقاً من تتويجها أميركياً كدولة متقدّمة محارِبة للإرهاب في المنطقة، تتصرّف السعودية على أساس ألّا مكان لقطر في مجلس التعاون الخليجي، قبل أن تعود إلى داخل حدودها مجرّدة من كل أوراق لعبها... وإلا فإن سيناريو التدخّل العسكري السعودي في قطر، في شباط 1996، المدعوم من الإمارات والبحرين ومصر، قد يتكرّر مع ضمان نجاحه هذه المرة؟