إلى صيدون (جزين) التي لا يزيد عدد أبنائها المقيمين عن 150 شخصاً، عادت ريتا خوند قبل أربع سنوات، بعد 29 عاماً عاشتها مع عائلتها في كسروان. الحرب الأهلية سلخت العائلة عن أرضها. بعيداً عنها، كبرت خوند ودرست المسرح وعملت، وأسّست شبكة علاقات اجتماعية، فيما بعض أشقائها اختار الهجرة نهائياً. والداها حاولا المحافظة على زراعة التبغ التي كانت مصدر عيشهما في مسقط رأسهما. زرعا «حاكورة» أمام البيت، لكن زرع أيديهما لم ينبت في التربة «الغريبة». على نحو تدريجي، فقدت الأسرة هويتها الريفية وضاعت في التفاصيل المدنية.
«ظللت أشعر بأني بلا انتماء» تقول ريتا. «تأرجحت طويلاً بين صيدون وكسروان إلى ان اخترت صيدون». كثيرون فوجئوا بعودتها للإقامة الدائمة. رمّمت منزل العائلة وتحوّلت إلى مزارعة. أقنعت خطيبها البيروتي بالإقامة في الضيعة بعد زواجهما القريب. تُقرّ بأن الإقامة لن تكون سهلة، بل تحتاج إلى بنى تحتية أولها إيجاد فرص عمل.
ابن خالتها بسام خوند سبقها إلى العودة بعام واحد. عاد مع زوجته، متخلياً عما توفره المدينة. دخل قطاع تربية النحل. مع ريتا وشخصين آخرين غير مقيمين في صيدون، أسسوا جمعية «تراب للتربية البيئية» التي شرعت بافتتاح مشاريع زراعية توفر فرص عمل للمقيمين. زرعوا مساحة دونمين من إكليل الجبل والخزامى في ساحة صيدون، وأسسوا منحلاً يضم حالياً 12 قفيراً، ويُسوّق منتوجه من العسل في المنطقة وبيروت. وبهدف إشراك المجتمع المحلي، تعاونت الجمعية مع عدد من أبناء البلدة لتشغيل مركز لفرز النفايات والتوعية على الفرز من المصدر وجمع البلاستيك والحديد لبيعها. كما تعاونت مع عدد من السيدات لتحويل منازلهن إلى «بيوت ضيافة» للسياح تقدم فيها مأكولات تراثية ومونة بلدية. الطموحات كبيرة لتوفير مزيد من فرص العمل للشبان المقيمين وتشجيع الآخرين على العودة. من ضمن المشاريع المقترحة، ترميم آخر البيوت التي صمدت في وجه زلزال 1956 الذي دمر منازل البلدة. البيت الذي يعود تاريخ تشييده إلى ما قبل 120 عاماً، سيتحول إلى مقر للجمعية ومركز للتعرف على الطبيعة وتربية النحل وحديقة لزراعة النباتات العطرية وتربية النحل وبيع المنتجات العضوية من المقطرات والصابون والمأكولات التراثية والمونة.




إقامة فنية

نشاط «تراب» بث حياة في أوصال صيدون وقريتي حيداب وريمات المجاورتين، وشجّع جمعية «بيروت متحف الفن» و«الجمعية اللبنانية لتطوير وعرض الفنون» و«منصة فنية مؤقتة» على تنظيم النسخة الثانية من برنامج «الإقامة الفنية» في منطقة جزين. ستة مخرجين لبنانيين وعرب (محمد عبدالله وسوزي حلاجيان وكريستين كتانة واشرف مطاوع وحسين نصر الدين ومحمود الصفدي) جالوا مع «تراب» في أحراج صيدون وشاركوا في أنشطتها، على أن توثق الجولة في أفلام يصورها هؤلاء لإقامتهم في جزين وبلداتها طوال الشهر الجاري، ويستلهمون منها أعمالاً فنية تتمحور حول المياه.