قد تطوي الجمهورية الإسلامية صفحة وتفتح أخرى، على أمل تحقيق ما لم يتحقّق خلال السنوات الأربع الماضية. وربّما تعطي الرئيس المنتهية ولايته حسن روحاني فرصة ثانية، ليثبت قدرته على الوفاء بوعود الحملة الانتخابية الأولى. وفيما تحمل سلّته الاقتصادية القليل من الإنجازات، يُحسب له إنجاز وحيد هو اتفاق نووي تاريخي، تحوّل في الحملة الانتخابية الحالية إلى مأخذ عليه.
العبارات التي تكرّرت خلال هذه الحملة كثيرة: بطالة، فقر، تضخّم، ركود وغيرها. من بينها ما وُضع في ميزان حسنات الرئيس ومنها ما استُخدم ضدّه، إذ يمكن لروحاني أن يكرّر على مسمع الناس تمكّنه من خفض نسبة التضخم من 40% إلى 8%، لكنه لن يقنع مستمعيه بالنمو الاقتصادي أو بدفع الركود، وخفض نسبة البطالة، التي ارتفعت من 10،5% إلى 12،4%، وفق الأرقام الرسمية.
كلّ هذه الأرقام ووجه بها، حتى تلك التي أرادها تعبيراً عمّا حققه من إنجازات. وهنا، يعيب كثيرون عليه معدّل الاستثمارات الخارجية المنخفض الذي حصل بعد الاتفاق النووي، ما عُدّ مخيّباً للآمال حتى بالنسبة لهؤلاء الذين يدعمونه. أما الربح الوحيد الذي حققه، فقد جاء عبر مضاعفة الصادرات النفطية. إلا أن هذا «الإنجاز» أيضاً استلّه منافسوه كسلاح في وجهه، خصوصاً بعدما بات مستوى إنتاج النفط خاضعاً للاتفاق بين الدول المنضوية في منظمة «أوبك»، وتلك غير المنضوية فيها.

يعترف داعمو الرئيس الحالي بأنّ نقاط ضعفه كثيرة


علاوة على ما تقدّم، يعرّج البعض على الشركات الصغيرة والمتوسطة التي لا تزال تواجه مشاكل كثيرة، ويلوّحون بعدم وجود خطة اقتصادية واضحة لدعمها، فيما تبقى هذه الخطة مرتبطة بالاتفاق النووي، ومدى التزام الأطراف الموقعة عليه بتطبيقه، أو تسهيل الولايات المتحدة لآلية هذا التطبيق. ويذهب آخرون الى الإشارة إلى أن روحاني طالما اهتم بالأغنياء وترك الفقراء، ثمّ يأتي من يقول إنه ألغى الدعم المالي المباشر الذي كان قد قدّمه الرئيس الأسبق محمود أحمدي نجاد للمواطن، وبالتالي زاد الفقير فقراً.
كلّها حججٌ قوبل بها روحاني، خلال الحملة الانتخابية الأخيرة. ومع ذلك يذهب العديد من المراقبين إلى احتمال فوزه من الجولة الأولى. فما هي المقوّمات التي يرون أنها قد تخدمه؟
يدرك مقرّبون من التيارين الإصلاحي والمعتدل بأن روحاني يتمتع بنقاط ضعف كثيرة، لكنهم يعترفون بأن النسبة الكبيرة من المنضوين في هذين التيارين قد تصوّت له، فقط في سبيل قطع الطريق على رئيس محافظ. ويعوّل هؤلاء على رسالة الرئيس الأسبق محمد خاتمي التي دعا فيها إلى التصويت لروحاني، إذ إنها وفق تقديرهم ستؤدي إلى نتيجة جيّدة، بعدما لعبت رسالة مماثلة دوراً لصالحهم في الانتخابات البرلمانية الأخيرة.
وإذا ما كانت هناك وجهة نظر أكثر علمية في هذه المعادلة، فهي تلك التي تقول بأن «الإصلاحيين يفضّلون روحاني، بهدف تحويل الأوضاع الاقتصادية في البلاد، وجعلها تسير بشكل طبيعي، ثمّ بعدها تأتي التنمية الاقتصادية». يوضح مناصرو هذه النظرية أن ولاية روحاني الأولى خُصّصت لتقليل ضرر «التركة الثقيلة التي خلّفها نجاد»، على أن تكون التنمية الاقتصادية محور الولاية الثانية. وهم يتحدثون عن أن الدعم المباشر الذي قدّمه نجاد أدى إلى التضخّم الاقتصادي الذي شهدته البلاد. ويردّون على الانتقادات التي تتمحور حول عدم تحقيق إنجازات اقتصادية تُذكر، بالإشارة إلى تطوير الخطّة الصحية وانتعاش السياحة ــ خصوصاً بعد الاتفاق النووي ــ وتحديث الأسطول الجوي.
أما المطالعة الأهم في هذا المجال، فجاءت على لسان روحاني تمهيداً للحملة الانتخابية، حين أكد أن العام الإيراني الجديد سيكون لمزيد من التطور للشعب، وتوفير فرص العمل للشباب. ولكن المفارقة هي أن الرئيس المنتهية ولايته انتقل خلال الحملة الانتخابية إلى الخطاب عن الحريات، مبتعداً عن الاقتصاد الذي شكّل ملفاً خاسراً لإعادة انتخابه. وبالتالي باتت التنمية الاقتصادية التي وعد بها خارج المعادلة، فيما أصبحت المطالعات السابقة خاضعة للشكوك.
قد يراهن روحاني «على تعديل الشوائب في الاتفاق النووي والتفاوض على العقوبات غير النووية» للوصول إلى مرحلة التطوّر الاقتصادي، ولكن منافسه السيد إبراهيم رئيسي، ومن ورائه التيار المحافظ، يقابلان هذه الوعود بالتشديد على أن «الحفاظ على استقرار إيران ونفوذها ليس بحاجة إلى رئيس مستعد للتقرّب من الغرب وتقديم تنازلات لتحصيل التنمية الاقتصادية»، بل يصرّون على أنه «يجب الاعتماد على الداخل وتقويته اقتصادياً، قبل الالتفات إلى الخارج».
الرئيس الإيراني ردّ على هذه المقترحات بالربط بين رئيسي ونجاد، مشيراً أكثر من مرة إلى أن غالبية العاملين في حملة الأخير كانوا سابقاً ضمن إدارة الرئيس الأسبق. وذهب هو والتيار الإصلاحي إلى تعيير المرشح المنافس بـ"نقص خبرته في المناصب التنفيذية". إلا أن ذلك لم يلغِ الواقع الذي يستند إليه مناصرو رئيسي، وهو أنه صعد بسرعة في سلّم السلطة القضائية، وأثبت نفسه أخيراً في المنصب الذي تبوّأه كسادن للعتبة الرضوية، فضلاً عن عدم اتهامه بأي قضايا فساد. وفيما لم يتضح حتى الآن إلى أيّ مدى نجح روحاني في إظهار التماهي بين نجاد ورئيسي، يرى داعمو الأخير أنه قادر على تحقيق الكثير، في حال انتخب رئيساً للجمهورية.
وفي ضوء التباين في رؤى كل من التيارين، يسترجع عدد من المراقبين المفاجآت الكثيرة التي ميّزت الانتخابات الرئاسية السابقة، ليقولوا إن الناخب الإيراني قد يختار الوجه السياسي الجديد، فيما يذهب البعض الآخر إلى العرف السائد الذي يحكم بأن الرئيس يخدم لولايتين.