مع الحاجة المطّردة إلى توسيع قطاع التعليم العالي وتمكين معظم الطلاب من الانتساب إليه، ظهرت على المستوى العالمي ممارسات يمكن وضعها في خانة الفساد، لما لها من انعكاسات سلبية على النظام التعليمي والمجتمع ككل. إن الممارسات السيئة، التي يشار إليها عادة كسوء سلوك أو تحريف، تقوّض جودة التعليم العالي وصدقيته في جميع أنحاء العالم. كذلك، إنّ سوء الإدارة وعدم الكفاءة يصبحان لوناً من ألوان الفساد إذا لم يُعالَجا. وينعكس ذلك على نمو أي بلد وقدراته، ويؤدي إلى انهياره في ظل المنافسة العالمية.
ففي 30/31 آذار 2016، شاركتُ في اجتماع للخبراء في واشنطن، انضم إليه معهد اليونسكو الدولي للتخطيط التربوي (IIEP) والمجموعة الدولية للجودة التابعة للمجلس الأميركي لاعتماد التعليم العالي (CHEA / CIQG)، وقد وضعنا تقريراً استرشادياً كدعوة من أجل مكافحة الفساد الأكاديمي في التعليم العالي، على أن يكون لهيئات ضمان الجودة، وكذلك للمؤسسات الحكومية ومؤسسات المجتمع المدني (جمعيات، إعلام، أهالٍ وطلاب) دور في هذا الإطار، وخصوصاً بعدما تبيّن أنّ الدور الحاسم الذي ينبغي أن يؤديه ضمان الجودة في مكافحة الفساد ليس كافياً. والفساد الذي يؤثر بنزاهة العمليات الأكاديمية للجامعات قد يحدث عند المنبع (الترخيص للمؤسسات) أو المصب (إعطاء الشهادات والمؤهلات) بعيداً من عمل هيئات ضمان الجودة.
التقرير يقدم أمثلة على مظاهر الفساد في التعليم العالي وُضعت كمبادئ توجيهية. ويمكن العثور على معلومات إضافية عن الممارسات الفاسدة في قطاع التعليم على الموقع: http://etico.iiep.unesco.org.
ومن مظاهر الفساد التي يشير إليها التقرير في تطبيق أنظمة التعليم العالي السهولة في ترخيص المؤسسات، وتعيين أشخاص غير مؤهلين أو من لديهم تضارب مصالح في الهيئات الناظمة، وتعیین المسؤولين الأكاديميين والتنفیذیین لمؤسسات التعلیم العالي من دون مراعاة الأصول القانونیة التنظيمية ومجالس التعليم العالي، والتدخل السياسي أو التجاري في قرارات الهيئات.
وعلى مستوى الدور التربوي/التعليمي لمؤسسات التعليم العالي، يتحدث التقرير عن الميول التجارية لبعض المؤسسات، والتحيز في تعيين هيئات التدريس، واختيار الموظفين الأكاديميين وغيرهم من الموظفين على أساس الرشى أو المحسوبية أو النفوذ، وغياب الأساتذة وعدم إيفائهم بالالتزامات المقررة لهم، وتعيين هيئات تدريس غير ملتزمة (غياب – تقاعس)، وتغيير علامات الطالب في مقابل امتيازات معينة (شخصية أو مالية)، واستغلال الطلاب وأولياء الأمور لمصالح شخصية، إلخ.
وبالنسبة إلى قبول الطلاب، قد يجري في بعض المؤسسات تجاوز شروط التسجيل التي وضعتها الحكومات والهيئات الناظمة، والتحيز في الالتحاق والقبول، ونشر معلومات كاذبة عن القبول، وتقديم الرشى لموظفي القبول، وتقديم شهادات مزورة و/أو رسائل توصية مزوّرة، والتحيز في السكن الجامعي، وقيام أفراد الهيئة التعليمية بإسداء الدروس الخصوصية.
ويلفت التقرير إلى بعض المظاهر في تقويم الطلاب والتلاعب بالنتائج وبيع أسئلة الامتحان أو المواد ذات الصلة به واستخدام طواحين المقالات ورشوة المؤلفين والمصححين وانتحال شخصية المرشحين والكتابة عنهم والانتحال والغش في التقويم المستمر والواجبات والامتحانات والمحسوبية في وضع الدرجات والتحيز في توزيع المنح الدراسية والبعثات.
وبالنسبة إلى وثائق الشهادات، تستخدم في بعض الأحيان طواحين الدرجات والاعتماد (انظر منشورات اليونسكو السابقة UNESCO IIEP / CHEQ)، ويُكشَف تزوير العلامات والشهادات أو الدرجات، وتقديم بيانات خاطئة عن المؤهلات على السير الذاتية والتطبيقات الوظيفية، وتمارس الضغوط السياسية على مؤسسات التعليم العالي لمنح درجات لبعض الشخصيات العامة وبيع الدرجات العلمية.
وفي مجال الأطروحات والمنشورات البحثية، لا يتردد البعض بطرح الأطروحات المترجمة من لغات أخرى كعمل أصلي، ونشر المشرفين على أبحاث طلاب الدراسات العليا لنتائج الأبحاث من دون ذكر أسماء الطلاب، ورفض المراجعين للأبحاث في المجلات لمنشورات منافسيهم، وفبركة البيانات أو النتائج، وسرقة الأبحاث العلمية، وتأثير الهيئات الداعمة في اتجاهات هذه الأبحاث.
ومن مظاهر الفساد أيضاً أن تقمع إدارات الجامعات وسائل الإعلام وتمنعها من نشر المعلومات عن سوء السلوك، وتنشر هي في المقابل معلومات مضللة.
التقرير يقدّم آليات لعلاج هذه المظاهر، لعل أبرزها تطبيق نظم الجودة والتقويم الخارجي لمؤسسات التعليم العالي، ومكافأه النماذج التي حققت معدلات عالية من الشفافية، ونشر قصص النجاح للتوعية، وتحفيز المجتمع.
إن الفساد الأكاديمي مشكلة دولية تصيب الدول الغنية والفقيرة على السواء. لذا، من الضروري إنشاء روابط وشبكات بين المنظمات التي تحارب الفساد لتبادل المعلومات بشأن الجامعات والمؤهلات، وزيادة التعاون في مجال بناء القدرات.
يمكن الاطلاع على التقرير على الرابط الآتي: https://www.chea.org/userfiles/PDFs/advisory-statement-unesco-iiep.pdf
*المدير العام للتعليم العالي