إنتظر الجميع يومين علّه يسمَع توضيحاً صادراً عن بكركي. لكن الإنتظار جاء من دون فائدة، ليرجّح أن ما نقلته «سكاي نيوز» عن البطريرك مار بشارة بطرس الراعي بشأن «حزب الله وقتاله في سوريا» هو موقفه الفعلي. الأمور باتت واضحة بين الحزب وبكركي أكثر من أي وقتٍ مضى، بعد أن رأى سيّدها بأن «مشاركة الحزب في سوريا، أحرجت اللبنانيين، وتسبّبت بانقسام بينهم». لكن المنطق يقول بأن تصريحاً من هذا النوع لا يقّدم ولا يؤخر على مسار العلاقة بين الحزب وبكركي، خصوصاً أن «تكويعات» الراعي ليست حديثة، ومسيرته تزدحم بالمواقف المتناقضة.
ربما على الجميع الإنتظار حتى يخرج البطريرك في مقابلة جديدة تحمل موقفاً مغايراً. هو الذي لم يعارض الحزب حين شدد من على منبر بكركي قبل أشهر أنه لن ينسحب من سوريا، إلا عندما يرى أن المصلحة تقتضي خروجه. هو الذي وقف تارة مع الوزير سليمان فرنجية حين دعم ترشيح الرئيس سعد الحريري له، ووقف مع ميشال عون تارة أخرى. هو الذي حيّا في أيلول الماضي خلال استقباله وفد اللجنة الرئاسية العليا لمتابعة شؤون الكنائس في فلسطين، الشعب الفلسطيني في كل أماكن تواجده معبراً عن تضامنه معه، وهو نفسه الذي قال قبل يومين لـ»سكاي نيوز» إن الفلسطينيين هم من صنعوا الحرب في لبنان وعليهم أن يغادروه. الرجل الذي وصف الرئيس بشار الأسد في إحدى زياراته إلى الإليزيه عام 2011 بـ «الرجل الطيب»، صرّح عام 2013 بأن سقوط النظام الديكتاتوري في سوريا لن يؤثر على وجود المسيحيين، وعاد وزار سوريا عام 2015.
على كلّ حال، شكّل موقف الراعي الجديد مفاجأة كونه أتى من خارج السياق المتداول، ولأنه بدا مناقضاً لقرار تحييد الملفات المتنازع في انتظار ما ستؤول إليه التطورات الإقليمية والدولية. في المعلومات التي حصلت عليها «الأخبار» هناك من أسرّ في أذن الراعي، خلال بعض اللقاءات التي جمعته بمجموعة تنتمي إلى فريق 14 آذار، بأن التصعيد ضد حزب الله يُمكن أن يعيد إليه شعبية «14 آذارية»، تحديداً تلك التي سئمت من القوات والكتائب وباقي الأطراف في هذا الفريق. وهو بذلك يستطيع المزايدة على رئيس القوات اللبنانية سمير جعجع وآخرين، كي يراكم دوراً وطنياً، على غرار الدور الذي لعبه سلفه البطريرك نصرالله صفير. وقد أقنعت هذه المجموعة الراعي بتوجّهها، من خلال التسويق لنظرية أن الرياح الدولية تتبدل، وأن عليه أن يشكّل نوعاً من صمّام أمان للمجتمعين العربي والدولي بأنه الشخصية القادرة على مواجهة الحزب من جهة. ومن جهة أخرى سيمكّنه ذلك من حصد شعبية مسيحية من خارج الإطار القواتي والعوني عبر مواقف مرتفعة السقوف، ما يؤدي إلى تجييش الناس إلى جانب بكركي.
حتى الآن يلتزم حزب الله الصمت التام. إلا أن مصادر في فريق الثامن من آذار رأت أن ما قاله الراعي اتسم بالسلبية الناتجة عن «اللغة» التي استخدمها، وتغليبه سلبيات المشاركة في سوريا على إيجابياتها. فيما رأت مصادر أخرى من الفريق ذاته أن «مواقف الراعي بشأن الفلسطينيين كانت سيئة، لكنه لم يتخذ أي موقف بشأن ما يحصل في سوريا، بل قدّم توصيفاً لما هو عليه واقع الأمور في لبنان». كما أن كلامه «حمل إيجابيات، لناحية تحميل الدول الغربية مسؤولية ما يحصل في وسوريا، واشارته الى ضرورة تحرير الأراضي المحتلة في الجولان وباقي المناطق».
(الأخبار)