انقرضت، في خلال القرون الماضية، آلاف الأنواع من الكائنات الحيّة لأسباب طبيعية مرتبطة بالصراع من أجل الحياة وبقاء الأقوى، أو بسبب ظروف اصطناعية سبّبها الإنسان، وتحديداً أداءه الذي يمعن في استغلال الطبيعة ويكسر الكثير من توازناتها.
اكتشف الإنسان وجود هذه الحيوانات من خلال بعض بقاياها، كالعظام أو الصوف، التي حُفظَت تحت طبقات من الجليد والثلج أو في مغاور وكهوف ذات بيئة ملائمة لحفظ المواد العضوية، وبنتيجة دراستها تمكن العلماء من تحديد خصائصها العامة، كالوزن والحجم والشعر أو صوف الجسد وغيرها من المميزات التي تسمح بإعادة تخيّل شكلها الأصلي إلى حدّ دقيق. إلّا أنّ البحث الدائر اليوم يتخطى ذلك بكثير، إذ يمكن من الناحية النظرية استنساخ بعض هذه الحيوانات وإعادتها إلى الحياة مجدّداً!

إعادة إحياء الماموث

من هذه الحيوانات المثيرة للاهتمام حيوان "الماموث" (Mammoth) الذي يُعَدّ قريباً من فصيلة الفيلة، والأقرب في خصائصه إلى الفيل الآسيوي، وهو معروف بحجمه الكبير ونابَيه الضخمين وصوفه الطويل. عاش هذا الحيوان لفترات تاريخية طويلة، وتعرض للانقراض مع نهايات العصر الجليدي قبل نحو 10 آلاف سنة، إلا أنّ أنواعاً معينة منه، وخاصة تلك ذات الحجم الأصغر التي عاشت في مناطق ألاسكا، ظلت مستمرة حتى قبل نحو 4 آلاف عام، حتى انقرض وجودها كليّاً. إلا أن الكثير من بقايا هذه الحيوانات وجدت في مناطق مختلفة حول العالم، من ألاسكا وسيبيريا في روسيا، وعدة مناطق أوروبية، ما سمح بدراسة واسعة لخصائصها وتاريخ تطورها وانقراضها.
منذ بضع سنوات أنهى فريق علمي سويدي خريطة الحمض النووي (DNA) الكاملة الخاصة بحيوان الماموث من موجودات بقاياه، وهو ما أتاح معرفة واسعة ودقيقة قد تمكّن العلماء من استنساخ بعض خلاياه. وفيما تعمل عدّة فرق بحثية في اليابان وكوريا والصين والولايات المتحدة على إنتاج خلايا معينة من هذا الحمض النووي وإدخالها إلى أنسجة الفيل الآسيوي لدراسة التغيرات التي يمكن أن تحدثها على خصائصه البيولوجية، تعمل فرق أخرى على التوسع في هذه التعديلات في الحمض النووي تدريجاً وجيلاً بعد جيل. إلّا أن الجديد هو بدء البحث الجدّي في دراسة إمكانية استنساخ كامل للماموث من قبل فريق بحثي في جامعة "هارفرد"، بعد التثبّت من احتمالات نجاح هذه العملية والحصول على التراخيص والموافقات الرسمية اللازمة.

أبعاد أخلاقية واقتصادية: هل يجب أن نفعل ذلك؟

جعلت الهندسة الجينية من مسألة إعادة إحياء الأنواع المنقرضة حقيقة قريبة التحقق، ولم تعد فقط خيالاً علمياً كما كانت قبل وقت قصير. إلّا أن اقتراب هذه التقنيات من التحقق، يعيد الجدل الدائر حول الأبعاد الأخلاقية والاقتصادية أيضاً لهذه العملية. فمع الانتهاء من جدلية إمكانية أو عدم إمكانية استنساخ أنواع منقرضة، يطفو مجدداً السؤال الأعمق: "هل يجب أن نفعل ذلك؟".

جعلت الهندسة
الجينية من مسألة إعادة إحياء الأنواع المنقرضة حقيقة قريبة التحقق


إن إعادة إحياء نوع محدد مثل الماموث تستوجب أيضاً بالتوازي توفير البيئة الملائمة لوجوده وخلق الظروف المناسبة لاستمرار حياته، بعد أن خسر معركته السابقة مع الطبيعة فاندثر. وعندما نبحث ذلك، علينا التفكير في المحيط الإيكولوجي الملائم، وكلفة توفيره والتكاليف العامة لضمان استمرارية هذا النوع، ما يشكل تحدياً كبيراً. من الممكن تحقيق هذه الشروط الحياتية اليوم، لكن كلفة تحقيقها ستكون مرتفعة، وبدلاً من صرف المليارات عليها، يمكن استخدام الإمكانات ذاتها لحماية أنواعٍ موجودةٍ أصلاً ومهددة بالانقراض مثل "الفيل الآسيوي" تحديداً، أو لإنقاذ حياة ملايين البشر المهددين بالموت نتيجة نقص المياه أو المجاعة. إن حصر المقاربة بكلفة استنساخ هذه الحيوانات وإطلاق برامج لبعث الحياة في أنواع غابرة من دون النظر إلى كلفة حياتها والحفاظ عليها، ومن دون دراسة الأبعاد الأخرى المرتبطة بتأثيرها على أنواعٍ موجودةٍ اليوم وكسر التوازنات الطبيعية الدقيقة بين الأنواع والكائنات الحيّة، والأبعاد الأخلاقية لكلّ هذه العملية يجعل منها موضوع جدلٍ عميق بين الأوساط العلمية والفرق البحثيّة نفسها، فضلاً عن الجدل العام في الأوساط الاجتماعية. في ندوة بحثية عن الموارد المادية المتاحة لإغناء التنوع البيولوجي، وجد العلماء أن التكاليف التي قد يتكلفها القطاع العام أو القطاع الخاص لإعادة إحياء أحد الأنواع، ممكن أن تكون كافية لحماية عدة أنواع أخرى من الانقراض، ما يعطيها الأولوية إذا كان الهدف المنشود هو الحفاظ على التنوع البيولوجي وإغناءه. أما بحال توافر الموارد بشكل أوسع، فيمكن عندها السير بالمسارين واختبار قدرات العلم في عملية بعث الكائنات المنقرضة.
إن الفضول العلمي، والسعي المستمر وراء إنجازات جديدة قد يكون العامل الحاسم في تحويل هذه الإمكانية النظريّة إلى واقع رغم الجدل الدائر. وبحال عدم منع القوانين للمزيد من التقدم في هذا المضمار، قد نرى في المستقبل القريب استعادة لأنواعٍ من الماضي البعيد، وإن بشكل محصور ومحدود.




كيف تُجرى عملية الاستنساخ؟

الاستنساخ هو عملية توليد نسخة مطابقة من كيان بيولوجي وفق التركيبة الجينية ذاتها. تجري هذه العملية عبر استخراج خلية من الحيوان مثل خلية جلدية، ومن ثم يُنقَل الحمض النووي منها إلى بويضة متلقية في حيوان آخر بعد إزالة حمضها النووي. يمكن نقل الحمض النووي عبر أدوات دقيقة أو عبر التيار الكهربائي، لتجري من بعدها رعاية هذه البويضة الملقحة لوقت محدد في أنبوب مختبري ثم نقلها لتزرع في رحم أنثى من نفس الفصيلة. ينمو الجنين في رحم الحيوان المتلقي، لكن المولود يكون مطابقاً تماماً للحيوان الذي استخرج من خلاياه الحمض النووي في بداية العمليّة.