منذ أسابيع بدأت تتناقل أخبار في المنطقة عن تعدّيات يشهدها الحرج، الذي يقع بين بلدات السفيرة ومراح السفيرة وطاران وبطرماز في جرد الضنية، والذي أطلق عليه اسم حرج السفيرة لأن القسم الأكبر منه يقع ضمن خراجها، قبل أن تتحرّك البلديات وعناصر قوى الأمن الداخلي وعناصر مركز الأحراج في المنطقة، بهدف وضع حدّ لما يحصل في الحرج، وإيقاف التعدّيات عليه. ووفق جولة ميدانية في الحرج، قامت بها "الأخبار" مع بعض المواطنين في البلدات المتاخمة له، تبين أن أحد عقارات الحرج، الذي يقع بين تخوم بلدتَي السفيرة وطاران، جرى التعدّي على نحو 30 متراً مربعاً من أصل مساحته الإجمالية التي تناهز 80 ألف متر مربع، وقطع نحو 37 طناً من الأشجار فيه، جميعها من الصنوبر البرّي تحديداً، وهو النوع الذي يغلب وجوده في حرج السفيرة، إلى جانب أشجار السنديان والشربين والقطلب، وأن آثار هذا التعدّي بادية للعيان.
أبرز هذه التعدّيات تمثل في شق طريقين وسط الحرج بطول 500 متر وعرض أربعة أمتار، قُطع خلال شقهما قرابة 15 طناً من الأشجار الحرجية، كما قطعت أيضاً أشجار من جذورها على مستوى الأرض بمناشير كهربائية في مساحة تقدر بنحو ألفَي متر مربع وقدّرت الكمية بنحو 12 طناً، فضلاً عن تشحيل نحو 23 ألف متر مربع من الأشجار في العقار بهدف وضع اليد عليه، وقطع حوالى 10 آلاف طن، وقد نصبت خيمة مغطاة بشادر وسط العقار لاستعمالها من قبل المعتدين خلال عملهم، ووضعت عدة العمل المختلفة المستخدمة في التعدّي داخلها.

الخوف على غابة اللزاب النادرة

وحسب المعلومات، فإن المعتدين لا يملكون أي مستند رسمي يثبت ملكيتهم للعقار في الحرج، وهم بعد قطع عناصر قوى الأمن ومأموري الأحراج طريقاً شقوها مؤدية إلى العقار المذكور، لحمايته من استمرار تعدّياتهم عليه، عمدوا الى إعادة فتحها، وادّعوا وفق ما نقل عنهم أن الأرض في الحرج تعود ملكيتها لأجدادهم التي ورثوها عنهم، وكانوا يزرعونها قمحاً وشعيراً، لكنها أصبحت حرجية لأنها أُهملت، وهم لا يعرفون أنها ملك الدولة، ويلزمهم ترخيص لعملهم فيها حتى لو كانوا يملكونها.

شقّ طريقين بوسط الحرج... بطول 500 م وعرض 4 أمتار


ردود الفعل على التعدّي على حرج السفيرة جاءت مستنكرة بشدّة. فرئيس اتحاد بلديات الضنية محمد سعدية أوضح أن "الأحراج والغابات في الضنية ثروة كبيرة يجب الحفاظ عليها، لأن الإضرار بها يلحق ضرراً كبيراً بالآمال التي نعلقها على إنماء المنطقة من كل النواحي، وتطويرها".
وطالب سعدية الجهات المعنية بـ"التحرك وإيقاف التعدّيات ومتابعة الموضوع بكل جدّية، وخصوصاً وزارتي البيئة والزراعة"، مؤكداً أن اتحاد البلديات والبلديات "على أتم الاستعداد للتعاون من أجل إنقاذ الحرج والحفاظ عليه للأجيال المقبلة، من ضمن الإمكانات المتاحة".
بدوره، أكد الأمين العام للمنتدى الثقافي في الضنية أحمد حمدي يوسف أن "البيئة تحتل مكاناً هاماً جداً من اهتمامات المنتدى، ونعتبر أن جمال الضنية يقوم على جمالها البيئي وأن الأحراج جزء أساسي منه، والشجرة كائن حيّ يجب الحفاظ عليه لأن حياة الإنسان مرتبطة بها. انطلاقاً من ذلك، نعتبر أن قطع الشجر مثل قتل البشر بكل معنى الكلمة، وبالتالي فإننا نستنكر قطع أي شجرة في الضنية لأي سبب كان، ويجب الحفاظ عليها، لأن قطع أي شجرة بات من الصعب تعويضها في هذه الأيام".
وأشار يوسف إلى أن "الغطاء النباتي والأخضر في الضنية يشهد تراجعاً في السنوات الأخيرة، لأسباب عديدة؛ منها التوسع العمراني، والتعدّيات، وتحت حجة استغلال أراض حرجية واستصلاحها للاستخدام الزراعي، ومنها حرج الصنوبر الأكبر عندنا، وهو حرج يجب الحفاظ عليه برموش العين، وتحويله إلى محمية طبيعية ووضع الأسس القانونية والعلمية لذلك، وتعيين نواطير عليه، إلى جانب إقرار إنشاء محمية في غابة اللزاب النادرة في جرد المنطقة، التي بدورها ستتعرض للتعدي والابادة إذا لم يتم الحفاظ عليها".
واعتبر يوسف أن "مسؤولية الحفاظ على المناطق الحرجية في الضنية وغيرها تقع على عاتق الدولة بالدرجة الأولى، بكل وزاراتها وإداراتها وأجهزتها، وعليها أن تعلن عن إقامة محميات في الضنية لهذه الغاية كي تضع حدّاً للتعدّيات على أحراجها وغاباتها، ونحن نادينا وننادي منذ سنوات، حتى بحّ صوتنا، من أجل الحفاظ على ثروتنا الحرجية والغابات في الضنية، ومنع الصيد الجائر الذي يُعرّض طيوراً نادرة ومهاجرة للإبادة، ولكن لا حياة لمن تنادي".