لم يعلن وادي تفاحتا محمية طبيعية. لكن الوادي الممتد على كيلومترات عدة من ساحل الزهراني صعوداً حتى الأحياء السكنية لبلدة تفاحتا، يشتمل على كثير من العناصر التي يستحق لأجلها الحماية: الأحراج الكثيفة المترامية على الجبال والساقية المنحدرة مع مسار الطبيعة من وادي الشقيف حتى وادي تفاحتا.
النشاط العمراني والبشري يقتصر على عبور السيارات في الطريق التي تشق الوادي والمتنزهين في معلم بدادا المفتوح (لصاحبه الفنان سليمان سليمان). مشهد لا يكتمل إلا بأصوات الثعالب والخنازير البرية والطيور التي تتنقل باطمئنان في معظم الأحيان. لكن غياب الرقابة على تطبيق قانون الصيد البري في لبنان، يعرض تلك الطمأنينة للخطر بين الحين والآخر.
أخيراً، حلت نقمة "موضة" صيد الخنازير على تفاحتا. علماً بأن أحراج جزين وإقليم التفاح تعد المقصد الأبرز للهواة والمحترفين جنوباً. حضر الصيادون المحترفون من مناطق بعيدة بكامل معداتهم. طوال النهار أي في الفترة التي تخبو فيها الخنازير (أوقات نشاطها طوال الليل حتى الصباح الباكر وعند المغيب) طاردوا قطعان الخنازير المستوطنة داخل الأحراج حيث تتوافر أطباقها المفضلة لا سيما شجر البلوط. توزعوا كفريق كرة قدم لمحاصرتها. تعلقوا بالصخور وسارعوا إلى إطلاق رصاصهم نحوها لشل سرعتها في العدو وتحولها إلى مفترسة عند شعورها بالخطر، مستخدمين كلاب الصيد لتخويفها ودفعها للخروج من بيوتها. صرعوها قبل أن ينزلوها بالحبال إلى مقطورة مكشوفة أحضرت كجزء من العدة لنقل الغنائم وعرضها بافتخار. عن قصد أو غير قصد، لم يميز الصيادون بين الذكر والأنثى. الحصيلة كانت سبع ضحايا منها إناث حوامل. يسجل لهم إيجابية واحدة. قيامهم بالصيد نهاراً، لأن صيدهم في الليل ممنوع.

ماذا يقول القانون؟

هل ما ارتُكب جريمة ومخالفة لنص قانون الصيد البري 580\2004؟
أدونيس الخطيب رئيس مركز الشرق الأوسط للصيد المستدام أوضح لـ"الأخبار" أن "صيد الخنزير خاضع لقانون الصيد في لبنان الذي يحدد فترة الصيد من 15 أيلول حتى آخر كانون الثاني"، لافتاً إلى أن القانون "سمح بصيد أعداد غير محددة نظراً إلى تكاثره السريع وما يشكل من ضرر على الأراضي الزراعية" . يأسف الخطيب لوجود الكثير من الصيادين المحترفين لكن غير المسؤولين. "الصيد يجب أن يكون بطريقة مستدامة وفي موسمها والصياد المحترف يعرف كيفية التفريق بين الذكر والأنثى. لذا فإنه يستهدف الذكور بشكل خاص ويترك الإناث لتتكاثر".

هناك موسم تزاوج
واحد بين تشرين الثاني وكانون الثاني
الالتزام بتلك الشروط في الصيد المسؤول "يخفض أعداد الخنزير ويسمح للإنسان بالاستفادة من لحمه من دون أن يهدّد وجوده بالانقراض" بحسب الخطيب.
لكن لكل من أستاذ علم البيئة في قسم الأحياء في الجامعة الأميركية في بيروت رياض صادق ورئيس "مركز التعرف على الحياة البرية" منير أبي سعيد، رأي مخالف. برأيهما، إن القانون لا يحدد بدء موسم الصيد بمنتصف أيلول. "جاء في النص الموجود على موقع وزارة البيئة وليس في نص القانون أنه في حال افتتاح موسم الصيد، تحدد طرائد الصيد بالتالي: الترغل، المطوق، السمن، الفري، الصلنج، ديك الغاب/دجاج الأرض، البط الخضاري والحذف الشتوي والصيفي (الفرفور)، الكيخن، الحمام البري والدلم، الحجل، الخنزير البري والأرنب (أقرها المجلس الأعلى للصيد البري في جلسته المنعقدة بتاريخ 13/1/2012 و 10/9/2012)، مع إمكانية تعديل هذه اللائحة عند الإعلان عن افتتاح كل موسم صيد من قبل وزير البيئة". من هنا، يرفضان تفسير ما ورد عشوائياً، لتبرير الصيد. "هذا لا يعني الصيد بأعداد غير محددة. إذ ليس هناك أي دراسات أو تقديرات أو إحصاءات عما يسببه الخنزير البري من ضرر على الأراضي الزراعية ولا دراسات تؤكد تكاثره السريع، بل لا تعدو معتقدات تنتقل بالتواتر". إزاء التضارب بالمعلومات، من يحدد العدد المسموح صيده من الخنازير ومن يراقب ومن يحدد العدد المطلوب الوصول إليه ومن يحدد إذا كان العدد يقترب من الانقراض؟

التزاوج والتكاثر

ما هو الوقت المناسب للصيد؟ يجد صادق أنه "من الصعب جداً التفريق بين الذكر والأنثى (يمكن التمييز من خلال الأنياب، لكن كيف يمكن تمييزها بوضوح في ظلمة الليل ومن دون استعمال أضواء ساطعة كما ينص القانون؟)". علماً بأن ذكر الخنزير يعيش منفرداً إلا في مواسم التزاوج حين ينضم إلى الإناث للتزاوج ويكون من الصعب حينها تمييز الذكر من بين القطيع. بالنسبة إلى التزاوج والتكاثر عند الخنزير البري، هناك موسم تزاوج واحد بين تشرين الثاني وكانون الثاني ويولد الصغار بعد أربعة أشهر أو أكثر قليلاً أي بين آذار وأيار. و نادراً ما يصل عدد الصغار إلى أكثر من عشرة. اللافت أن نسبة الصغار الذين يكملون سنتهم الأولى قد تكون حوالى 25 في المئة فقط من إجمالي المواليد.
النوع الشائع في لبنان من الخنازير البرية هي sus scrofa، لكن صيدها وحمايتها شكلا موضع جدل بسبب ما تسببه من خراب في الحقول والبساتين. جنوباً، شهدت سنوات الاحتلال الإسرائيلي والحرب الأهلية تكاثراً كبيراً في أعدادها بسبب نزوح الأهالي وأصحاب الحقول الزراعية عن أرضهم. العدو الإسرائيلي استخدمها في إطار عدوانه على الجنوبيين. لا يزال يعمد، خصوصاً في مواسم التكاثر، إلى الدفع بعشرات القطعان منها من الحقول الزراعية في المستوطنات المحاذية نحو الأراضي اللبنانية. بعد تحرير الجنوب، لا سيما بعد عدوان تموز 2006، تشدد كل من الجيش اللبناني وقوات اليونيفيل بتطبيق قرار منع الصيد في منطقة جنوبي الليطاني، ما أنقذها من الموت المحتوم. إلا أن الخسائر التي يتكبدها المزارعون في بساتين الأشجار المثمرة وحقول الخضر وكروم العنب، دفعهتم إلى التخلص منها من دون إطلاق النار. منهم من نصب لها الأفخاخ ومنهم من دس لها السم.
انتشار الفوضى في تطبيق القوانين والخطط الزراعية الإرشادية، ميّز في مصير الخنازير بين منطقة وأخرى. في الجبل وبيروت، افتتحت مطاعم متخصصة لتقديم لحم الخنزير البري، ما أغرى الصيادين للتكسّب الوفير منها، وإن أضر بمواسم الصيد المقبلة. لكنها حظيت بحماية مثلى في مناطق أخرى. برعاية النائب سليمان فرنجية، تحظى الخنازير البرية في محمية حرج إهدن برعاية مميزة. استقدمت أنواع جديدة من فرنسا لتتزاوج مع الأنواع المحلية. فيما تعقد إدارة المحمية ندوات توعوية مستمرة لتثقيف الصيادين على طرق ومواسم الصيد التي لا تضر بالحيوان.




أين كوتا الطرائد؟


ما المقترح الشامل عبر المناطق والمستدام للحفاظ على الخنازير البرية؟
بحسب الدكتور رياض صادق: "تطبيق القانون برغم العيوب التي تعتريه".
وبرأيه أن "هناك تناقضاً واضحاً على سبيل المثال في تحديد موسم الصيد مع بند عدم السماح بالصيد في موسم التكاثر. إذ إن الموسمين يتطابقان بنسبة عالية (يتكاثر الخنزير خلال نصف موسم الصيد تقريباً)".
هذا كمخرج طارئ. إلا أن القانون يلزمه تعديلات عدة، منها: وضع كوتا لعدد الطرائد المسموح بصيدها وتحديد آلية واضحة للمراقبة والاعتماد على تقارير علمية من وزارة الزراعة حول مزاعم ما تسببه الخنازير البرية من ضرر على المحاصيل الزراعية. الأهم التشدد في منح التراخيص وأن ينص الترخيص صراحة على السماح بصيد الخنازير حتى لا يسمح كل حامل بندقبة لنفسه بصيد ما يشاء.