لا يزال موضوع النفايات ضاغطاً بالرغم من الاهتمام الرسمي بالانتخابات وقانونها. فخطة الطوارئ المرحلية تترنح، وتلك المستدامة لم يدبَّج حبرها بعد. أجواء اجتماع لجنة البيئة النيابية أمس كانت متشائمة. فوعود الخطة المرحلية (لفترة أربع سنوات)، مع شوائبها البيئة والأمنية والقضائية...
لم تعد واقعية. فحتى لو جرى تجاوز كل تلك الشوائب، لضرورات عدم ترك النفايات في الشوارع، وعدم القدرة على إيجاد بديل سريع نسبياً، فإن قدرة استيعاب مطمر الكوستا برافا لن تدوم لأكثر من سنة و8 أشهر فقط! مع تعثّر إيجاد حلول لمنطقتي الشوف وعاليه، وتعثّر إرسال كميات إلى معمل صيدا... إلخ
بالرغم من كل ذلك، فإن النقاشات، إن بين الخبراء أو في اللجنة الوزارية، لا تزال تدور في حلقة مفرغة. هل على الخطط أن تكون مركزية أم لامركزية؟ وما هي التقنيات التي يجب اعتمادها؟ وأين الأماكن المخصصة للمعالجة، ومن يحدد المناطق الخدماتية؟ أية بلديات تستقل، وأيٌّ منها يندمج، وبناءً على أية معايير؟ وإذا لم تستطع القرارات الحكومية ولا المنح الخارجية أن تجمّع البلديات، فهل تستطيع الشركات أن تقوم بهذا الدور؟ وعلى أي أساس؟ أيْ على أيّ أساس علمي وتقني وقانوني واقتصادي وبيئي؟
اللجنة الوزارية التي تجتمع منذ مدة برئاسة الرئيس الحريري والمشكّلة بموجب القرار رقم 10 بتاريخ 11/1/2017، والتي أُوكلَت إليها مهمة «دراسة مسوَّدة ملف التلزيم العائد لمناقصة التفكك الحراري وتحويل النفايات إلى طاقة، الذي أعدّه الاستشاري RAMBOLL، وإعداد الاقتراحات المناسبة ورفعها إلى مجلس الوزراء، في خلال مهلة شهر واحد»، استهلكت مدة الشهر، ولا تزال تتعثر في كيفية التوفيق بين متناقضات. فالاستشاري المذكور نصح بمحرقة كبيرة، ووُضع دفتر شروط، على أن تستوعب 2000 طن يومياً. فهل تصبح النقاشات، كيف يمكن أن نخدم هذه المحرقة ومن أين؟ ثم يصبح النقاش ــ وهو الأصعب ــ أين نضع تلك المحرقة؟ وإذا كان الاستشاري نفسه قد نصح سابقاً بأن تكون بالقرب من محطات توليد الطاقة الكهربائية لتوفير إمدادات نقل الطاقة، ما يوحي أنَّ المطروح أن تكون بالقرب من معمل الجية الحراري، يصبح السؤال: من يقنع سكان المناطق المجاورة بها؟ هذا إذا تجاوزنا إشكالية من أين سنأتي بـ 2000 طن يومياً لخدمة هذه المحرقة؟ فهل مدينة بيروت التي تبحث عن حل، وحدَها تدخل؟ والضاحية؟ وإذ يقال إنَّ اتحاد بلديات كسروان يفكر في حل منفرد، واتحاد بلديات المتن أيضاً، من يبقى وضمن أية شروط ومواصفات؟
وإذ يفترض التريث الآن إلى حين خروج وزارة البيئة «برؤية استراتيجية» قريبة، تضع حداً لكل هذا التخبط وهذه الضغوط، يبقى السؤال: هل تنجح في وضع المبادئ الاستراتيجية الأساسية للمعالجة على المديين المتوسط والبعيد، بالإضافة إلى معايير اختيار التقنيات والمفاضلة بينها، التي في ضوئها يُراجَع مشروع القانون العالق في مجلس النواب، ووضع هذا الملف لأول مرة على سكة الحلول المستدامة والسليمة؟ للحديث صلة.