أزمة التعليم في لبنان لا تحتاج إلى تشخيص بقدر ما الأمر يتعلق بغياب رؤية واضحة لدى صناع القرار التربوي. يتوافق الكثير من التربويين على أن إصلاح التعليم لا يحتاج إلى كلفة مالية إضافية، بل إلى استخدام أمثل للموارد المتاحة، سواء في الموازنة العامة أو عبر المشاريع التي تمولها الجهات المانحة. السياسة التربوية هي المظلة التي يندرج في إطارها كل الحكي الآخر عن إصلاح التعليم والمناهج والامتحانات والتسرّب وإعداد المعلمين ومعايير توظيفهم وتعليم الفئات المهمشة من الفقراء اللبنانيين واللاجئين وذوي الاحتياجات الخاصة. انطلاقاً من ذلك، طرحت «الأخبار» سؤالاً محدداً على عدد من التربويين: ما هي أخطر قضية تقترحون أن تكون لها الأولوية في سياسة الدولة التعليمية؟ وقد جاءت الأجوبة كالآتي:

منير أبو عسلي


الرئيس السابق للمركز التربوي للبحوث والإنماء

إعادة العمل بطرائق التعليم التي وضعناها في عام 1998 حيث تسقط السلطة الأحادية الموجهة من المعلم للتلميذ، ويكون المتعلم هو مركز التعلم، والمطلوب أن نبني إنساناً يفكر، لا يتقبل الأشياء كما هي بل يعرف كيف يقول لا ويبحث عن المعلومة في مواقع الانترنت ويأتي بالحجة التي تثبت صحة ما يقول، ويتشاركها مع رفاقه ويقبلهم ويحترم آراءهم. وهناك قضية أخرى غير منفصلة عن الأولى وهي الانتقال إلى التقويم التكويني بحيث لا يقتصر التقويم على الامتحانات الفصلية والنهائية بل هو عملية مستمرة تحدث في كل وقت وفي كل ساعة لقياس إنتاج التلامذة من جميع الزوايا (360 درجة)، أي كيف يدرسون وكيف يفكرون وكيف يتفاعلون مع رفاقهم في الصف ومع أهاليهم في المنزل وكيف يربطون ويحللون ويستنتجون ويأخذون القرار. القضيتان متلازمتان: تعليم ناشط وتقويم ناشط ومستمر.

سوزان بو رجيلي


باحثة وأستاذة في الجامعة اللبنانية

أعتقد أن الإصلاح التربوي يأتي في رأس سلم الأولويات، فنناقش ماذا حل بالتعليم في السنوات العشر الأخيرة ونطرح الأسئلة برسم صانعي القرار من مثل ماذا تريد الدولة اللبنانية من التعليم الرسمي تحديداً في السنوات العشر المقبلة؟ هل ستقيم شراكة بين القطاع الرسمي والخاص؟ هل ستلزم التعليم الرسمي للمؤسسات الخاصة على خلفية أن تلامذة التعليم الرسمي لا يتجاوزون 30 %؟ لا أتكلم هنا عن الفساد لأنني أرى أنّ هناك بعض النوايا الطيبة، لكن الجهود مبعثرة رغم الأموال الكثيرة التي تصرف يميناً وشمالاً. ليس هناك استمرارية في المشاريع التي تمولها المنظمات الدولية لدعم التعليم الرسمي. في كل مرة يبدأ العمل من الصفر. بقلب هذا القطاع هناك مبادرات ناجحة لكن ليس هناك تواصل بين أبنائه.



محمود ناتوت


أستاذ محاضر في كلية التربية في الجامعة اللبنانية الأميركية

ما من نظام تربوي يتخطى المعلمين، فالمعلم هو السقف لأي تطور تربوي وبالتالي المطلوب تحسين وضعه الاجتماعي والمادي وتدريبه في آن. المعركة الأولى في صناعة معلم جيّد هي استقطاب كليات التربية في الجامعات لنخبة من طلاب يتمتعون بصفة أساسية هي حب التعلم المستمر، وأن لا تكون هذه الكليات خياراً أخيراً يلجأ إليه الطلاب، على قاعدة أن التعليم «مهنة النساء» أو «مهنة من لا مهنة له»، فيما يجب أن تكون هي «مهنة كل المهن». ولا يجب أن ننسى أن النظم الاقتصادية هي التي تفرض السياسات التربوية، فإذا كان اتجاه الدولة هو نحو الخصخصة فسينعكس ذلك على التعليم الرسمي حتماً.


هنري العويط


المستشار التربوي في جامعة القديس يوسف

كلها قضايا هامة، لكن ملف التلامذة السوريين طارئ ولا يتحمل تأجيل ومن ثم إعادة النظر بالمناهج التربوية وتوسيع المشاركة في هذا التطوير نظراً إلى أنها قضية وطنية عامة، وذلك لقطع الطريق على كل القرارات المتسرعة والمجتزأة من مثل تقصير أيام الدراسة وتقليص المحتوى كما حصل في مادة الفلسفة وحذف بعض المحاور التعليمية.


مهى شعيب


مديرة مركز الدراسات اللبنانية ومحاضرة في الجامعة اللبنانية الأميركية

الاهتمام بالفئات المهمشة من الفقراء اللبنانيين واللاجئين. ليس للأزمة السورية الطارئة، وتدفق أعداد التلامذة اللاجئين إلى المدرسة الرسمية، ناقة أو جمل في أزمة التعليم الرسمي، سوى أنّهما سبب إضافي لتفاقمها. فإحصاءات المركز التربوي للبحوث والإنماء تشير بوضوح إلى أن التراجع في الأعداد بدأ في عام 2003 أي قبل الأزمة بـ9 سنوات. والقضية أيضاً ليست مسألة أموال بل رؤية لدعم تعليم هذه الفئات. ليس صدفة أن يكون التحصيل التعليمي الأدنى في صفوف أبناء عكار والبقاع.


عدنان الأمين


باحث تربوي ومؤسس الهيئة اللبنانية للعلوم التربوية


أول شيء يخطر في بالي هو السياسة التربوية المبنية على ضعف التشريع والقوانين وعدم تطويرها، إضافة إلى سوء استخدام القوانين الموجودة والاستنساب بتطبيقها وإخضاع كل القرارات لمنطق القيادات السياسية الخاص. هذا يؤدي إلى نتائج كارثية أهمها أن المدارس لم تعد للتلامذة بل أماكن نفوذ للسياسيين ليعينوا المعلمين، تماماً كما المستشفيات الحكومية هي للأطباء والممرضات وليست للمرضى. هذه السياسة تنسحب على كل مكونات النظام التعليمي من مناهج وامتحانات. إذا لم يصر إلى وضع سياسة جدية، يصبح كل الحكي الآخر جانبياً.