شهدت وتيرة التصريحات والإجراءات الأميركية تجاه إيران تصعيداً غير مسبوق خلال اليومين الماضيين، على خلفية إجراء طهران اختبار إطلاق «صواريخ بالستية»، والتي كان لافتاً أنّ صحيفة «دي فيلت» الألمانية نقلت عن «مصادر مخابراتية» أنّ إيران اختبرت إلى جانب ذلك «صاروخ كروز يسمى سومار قادر على حمل أسلحة نووية... حلّق لنحو 600 كيلومتر، ويُعتقد أنّ مداه يُمكن أن يتراوح بين ألفين وثلاثة آلاف كيلومتر».
ومنذ يوم الأحد الماضي، تدرّج مستوى التصريحات من الحدّة لينتقل مع مرور أيام قليلة إلى العنف اللفظي والتهديد العسكري، الذي رفدته الإدارة الأميركية الجديدة، أمس، بعقوبات جديدة على 25 شخصاً وكياناً إيرانياً، «يُشتبه في تقديمهم الدعم اللوجستي أو المادي لبرنامج الصواريخ البالستي». وتنص عقوبات وزارة الخزانة، التي تستهدف خصوصاً «شبكة دعم مقرّها الصين»، على تجميد أصول أشخاص وكيانات في الولايات المتحدة، وعدم تمكينهم من إجراء صفقات مع شركات أميركية.
وفي الوقت الذي عمدت فيه طهران، منذ البداية، إلى مقابلة التصريحات الأميركية بردود مترويّة وهادئة، فقد أعلنت وزارة خارجيتها، أمس، أن طهران «سترد بالمثل وبالشكل المناسب على أي خطوة، بسبب إقدام الإدارة الأميركية على إدراج أسماء بعض الأشخاص والمؤسسات الإيرانية على لائحة العقوبات اللامشروعة، بذريعة الاختبار الصاروخي الأخير». وأضافت أن العقوبات «تتناقض مع التزامات أميركا وروح ونص القرار 2231 الصادر عن مجلس الأمن»، في إشارة إلى الاتفاق النووي.
وخلال اليومين الماضيين، ضاعف دونالد ترامب ومستشاره للأمن القومي مايكل فلين تصريحاتهما النارية ضد إيران، قبل قرار فرض العقوبات الجديدة. وفيما كان فلين قد وجّه «تحذيراً رسمياً» إلى إيران، أول من أمس، كتب ترامب، في تغريدة على موقع «تويتر»، أن «إيران تلعب بالنار». وقال إنهم «لا يدركون كم كان الرئيس أوباما لطيفاً معهم. (ولكن) ليس أنا!». وتأتي تغريدة ترامب الأخيرة غداة إعلانه أنه لا يستبعد أي خيار ضد إيران، حتى «الخيار العسكري».
وسرعان ما رد وزير الخارجية الإيراني محمد ظريف على تصريحات ترامب، مؤكداً أن بلاده «لن تشنّ أبداً حرباً». وكتب في تغريدة عبر موقع «تويتر»، أن «إيران لا تخيفها التهديدات، لأننا نستمد أمننا من شعبنا. لن نشنّ أبداً حرباً». وكتب في تغريدة أخرى: «لن نستخدم أبداً أسلحتنا ضد أحد، إلا للدفاع عن أنفسنا. ولنرَ الآن إن كان بإمكان من يشتكون (من إيران) أن يقولوا الكلام نفسه».
لم تتوقف المواجهة الكلامية عند هذا الحد. فبعد ذلك، خرج مايكل فلين ببيان جديد، قال فيه إن الولايات المتحدة لن تتسامح، بعد الآن، مع الأعمال الاستفزازية من جانب إيران، والتي «تهدد مصالحنا». وأضاف أن «المجتمع الدولي كان متسامحاً جداً مع سلوك إيران السيّئ... أيام غضّ الطرف عن أعمال إيران العدائية تجاه الولايات المتحدة والمجتمع الدولي قد ولّت».

عملياً، اختبرت طهران
جدية إدارة ترامب بتفكيك
الاتفاق النووي

وفي مواجهة هذه اللغة الحادة التي اتّبعتها إدارة ترامب، خلال الأيام القليلة الماضية، عمل العديد من الخبراء الغربيين على إحاطتها بمحاذير التهديدات التي تطلقها ضد إيران، يميناً ويساراً. وفي هذا الإطار، رأى فيليب غوردن في صحيفة «نيويورك تايمز» أن «المشكلة في أداء مايكل فلين هي أنه من خلال إصدار تحذير غير محدّد ــ بهذه الطريقة الدراماتيكية والعامة ــ يضع نفسه والولايات المتحدة في موقع الانسحاب المحرج أو المواجهة الخطرة». وأشار الكاتب إلى أنه «في الوقت الذي ادّعت فيه إدارة ترامب أنّ لديها مجموعة واسعة من الخيارات للرد بفعالية على إيران، إلا أن الحقيقة هي أنها لا تملك ذلك». ونبّه من أنه «بينما يسعى ترامب إلى معاقبة إيران على تجاربها، فمن غير المحتمل أن يجد دعماً دولياً، وهو ما يشكل أساساً لتفعيل المزيد من العقوبات». ولم يغفل غوردن تفصيلاً إيرانياً داخلياً مهماً بالنسبة إليه وإلى الأميركيين، وهو أنه «مع اقتراب الانتخابات الرئاسية في إيران، في الربيع، وبوجود المتشددين الذين يعارضون الاتفاق النووي، والتوّاقين إلى مواجهة أميركا، عدوّهم اللدود، فإنه ليس من المحتمل أن تتراجع إيران أمام التحذيرات أو الضربات العسكرية الرمزية».
وفيما يكثر الجدل بخصوص انتهاك الاتفاق النووي بإجراء هذه التجارب، فإن غالبية الخبراء في الحد من انتشار الأسلحة النووية يرون أن إيران لم تنتهك تقنياً قرار الأمم المتحدة ــ ذلك أنه لا يحتوي على الحظر الذي احتواه القرار السابق ضد الاختبارات المماثلة، والذي صدر في عام 2010. ففي القرار 2231، الذي مُرّر في عام 2015، يتبنّى مجلس الأمن الاتفاق النووي، وينهي أحكام القرار الصادر في عام 2010، ويقول إن «إيران مدعوة لعدم القيام بأي نشاط يرتبط بالأسلحة البالستية القادرة على حمل رؤوس نووية... حتى مرور ثماني سنوات على تبنّي الاتفاق النووي، أو حتى اليوم الذي تقدم الوكالة الدولية للطاقة الذرية تقريراً يؤكد هذه الخلاصة». وفي هذا السياق، تجدر الإشارة إلى أن إيران لطالما شددت، ولا تزال، على أنها لا تملك أسلحة نووية، ولا تنوي تطوير هكذا نوع من الأسلحة، فيما قال خبير أمني لـ»دي فيلت» إن «الميزة الكبيرة من وجهة نظر إيران هي أن صواريخ كروز (في ما لو صحّ الخبر)، لم تُذكر في أي من قرارات الأمم المتحدة التي تحظر العمل على تصنيع الصواريخ البالستية القادرة على حمل أسلحة نووية».

وربطاً بالحديث عن الاتفاق النووي، هناك من يرى أن ترامب يتهرّب من «تفكيكه»، لكنه يستغل كل الفرص من أجل القضاء عليه «بطريقة غير مباشرة»، وقد يشكل تصريحه في آب الماضي أبرز مثال على ذلك. فقد اعترف حينها، عندما كان مرشحاً للانتخابات الرئاسية، بأنه سيكون من الصعب «تمزيق الاتفاق»، ولكنه أضاف أنه «سأخنق الاتفاق بقوّة، بحيث لا يكون لديه فرصة». وربطاً بذلك أيضاً، يبدو لافتاً اعتبار نائب رئيس قسم الدراسات في «مركز كارنيغي»، جورج بيركوفيتش، أن «القادة الإيرانيين كانوا يختبرون ما هو أكثر من التكنولوجيا عندما أطلقوا الصواريخ البالستية، يوم الأحد». وقال «لقد كانوا وما زالوا يختبرون ما إذا كانت إدارة ترامب الجديدة ستستخدم حجّة من أجل تفكيك الاتفاق النووي»، مضيفاً أن «طهران تريد، بشكل خاص، أن ترى ردّ فعل الاتحاد الأوروبي، والصين وروسيا»، التي يبدو أنها اكتفت بتصريح نائب رئيس لجنة العلاقات الدولية في مجلسها الاتحادي، فلاديمير غباروف: «من المبكر التعليق على هذا الوضع... نحن نريد أن نرى ماذا يخطّط له الأميركيون، لفهم ما يحدث».