لو أنّ لوحة لموندريان تمزّقت، أو تمثالاً لبرانكوزي انكسر إلى نصفين، ما الذي يتبقّى من عملهما؟ لكن لو أنّ منحوتة لسلوى روضة شقير تحطمت ثلاثاً، فسيكون لدينا ثلاث قطع رائعة! شيء ما في منحوتات هذه الفنانة يقول بأنّها لم تُصنع كي تملأ فراغاً، بل يمكن القول إنها تشعّ فراغاً. لكنها بالتأكيد نوع من الحفر الذي يحاول الاقتراب من نواة العالم. أنجزت سلوى روضة شقير مخططات معمارية ونوافير وبرك مياه وأدوات منزلية وحلياً. ورغم أنها تلقّت تدريبها في بيروت مع عمر الأنسي، الفنان المحلي البارز في مجال المناظر الطبيعية والبورتريهات، إلا أنّ أشكالها في الرسم والتصميم والنحت لم تكن اختصاراً لمشهد أو واقع مرئي. رسومها المائية وكروكيات الفحم في الأربعينات، انحازت إلى مناخات بول كلي وميرو وبراك، ووجدت فضاءها اللائق في التجريد الهندسي.
كان أهل البندقية يعتبرون جوفاني بلّيني أعظم من كريفلّي، إذ اعتقدوا أن التضحية بحسّ الواقع من أجل الزخرف المجرّد، هو بداية الهبوط إلى درجة الصنّاع. التفاحات والفواكه الأخرى في لوحات كريفلّي، تأتي مقنّعة، فقد تعمّد الفنّان إظهارها كفواكه نُحتت من حجارة كريمة، ونجح في مسعاه. أما جمادات سلوى روضة شقير، فقد نجازف ونشبّبها بالفواكه للوهلة الأولى، لكن الشبه سرعان ما يتلاشى إلى وهم، أو إلى تقطير مركّز، كخمر التفّاح.

ضحّت سلوى روضة شقير بالتفاحة عن قصد، أدارت ظهرها للرسم، وانخرطت على نحو كلي في النحت والمجسمات التي تقسّمها إلى وحدات يمكن تكرارها إلى ما لا نهاية. متواليات هندسية تلتحم تدريجاً في نسيح مُوحّد كخلايا الـ DNA. فقد اكتشفت أثناء دراستها في باريس بداية الخمسينات، أنّ أبحاث كاندنسكي حول النقطة والخط هي «أبحاث قام بها الفنان المسلم منذ القرن الأول للهجرة»، وتقاطع نشاطها البحثي مع الرقش الهندسي في الزخرفة العربية.
التناسق بين الأشكال النافرة والمحفورة، الاحتمالات غير المحدودة للعلاقة بين التكوينات، المهارة الحرفية... كل هذه العناصر في أعمال النحّاتة تحدّت الذائقة المحلية، وعززت من سوء الفهم مع جمهورها، لكنها خبّأت في عمقها نظرة مغايرة للعالم، وتمارين عملية على معاصَرة حقيقية وغير زائفة.
جياكوميتي شعر بنوع من البهجة وهو يفيق من إغماءة بعدما صدمته سيارة وهو يعبر الشارع. أصابته بجرح وسبّبت له عرجاً خفيفاً مستديماً: «أخيراً شيء ما حدث لي» كان يقول. هذا التطرف في حب الحياة، وإرادة القبول بكل مفاجآتها وعبثيتها، هو سر سلوى روضة شقير التي نبشت في مناطق مجهولة بروح مغامرة لا تفرق بين الفشل والنجاح، وهذا واحد من أسرار الفن والجمال. حان الوقت كي تريح سلوى يدها الحارّة، أن تقلم أظافرها الوهمية التي استطالت في القرون الماضية، وتفرد دفتر تخطيطاتها الدقيق ككشف حساب مثاليّ كُتب عليه: كل شيء حولي كان يبهجني.