«إلى أين؟»، يسأل الكثير من بني معروف. هم الآن أمام معركة وجودية. الدروز عادة يتصرفون على أنهم كتلة واحدة في لبنان وسوريا والأردن وفلسطين، ويرتبطون بشبكة أقارب تتخطى الحدود الجغرافية وتتحد عند الشدائد. وهل «أشد مما يتعرضون له ليؤازروا بعضهم بعضاً؟».
تساؤلات «الأقلية» وهواجسها كثيرة، لكنها لم تعد محصورة برئيس حزب التقدمي الاشتراكي النائب وليد جنبلاط. «سقط البيك إلى الدرك الأدنى له في السنوات الأخيرة»، قالت فاعليات في حاصبيا. يوم أمس، اختلطت مشاعر الشماتة بالخيبة والصدمة «تجاه الضمانات الوردية التي عيّشنا بها وليد بيك منذ أربع سنوات بأن النصرة غير الإرهابية لن تمس الدروز». تساءلوا عن نتائج جولات مبعوثيه غازي العريضي وأكرم شهيب ووائل أبو فاعور في الأشهر الأخيرة إلى تركيا وقطر والأردن. وما زاد من أجواء التوتر من حاصبيا إلى راشيا والجبل، إصرار مناصري جنبلاط ومحازبي التقدمي الإشتراكي على أن ما حصل في إدلب «مشكلات فردية وليست استهدافاً متعمداً للدروز». الحنق من الأداء الجنبلاطي دفع البعض إلى تقليب دفاتر الماضي. ذكّروا بموقف جدة جنبلاط، الست نظيرة، الداعم للاحتلال الفرنسي بالتزامن مع ثورة سلطان باشا الأطرش في جبل العرب.
تعلقت الأنظار بخلوات البياضة لتلمّس موقف واضح من مشايخها. عدد من المشايخ اجتمعوا في منزل الشيخ فندي شجاع وأصدروا بياناً رأوا فيه أن «ما حصل من سفك دماء بريئة، عدوان صارخ مستنكر ومستغرب ويزيدنا تشبثاً وتجذراً بأرضنا وتمسكاً بالوحدة الوطنية والإسلامية». وأكد المجتمعون أن «إثارة النزعات المذهبية والطائفية لا تخدم إلا العدو الإسرائيلي المتربص شراً بسوريا وخدمة مجانية لدعاة تقسيم المنطقة».

مورس ضغط على المشايخ وعلى شيخ العقل من جانب جنبلاط لعدم التعليق

كثيرون وجدوا أن البيان الهادئ لا يعكس أجواء مجزرة حصلت. مصادر مواكبة ربطت «مهادنة المشايخ بالضغط الذي مورس على شيخ عقل الدروز نعيم حسن وسائر المشايخ من قبل جنبلاط لعدم التعليق على ما جرى». من هنا، يترقب المتابعون ما سيصدر اليوم بعد الاجتماع الطارئ للمجلس المذهبي الذي أعلن عنه جنبلاط نفسه في تغريدة له على «تويتر»، إذ قال إنه «سيجري النقاش حول أحداث ادلب، وكل كلام اخر تحريضي لن ينفع. وتذكروا أن سياسة (الرئيس) بشار الأسد أوصلت سوريا إلى هذه الفوضى». وبهدف تنسيق المواقف قبل الاجتماع، استقبل حسن موفد جنبلاط، وزير الصحة وائل أبو فاعور مساء أمس في دار الطائفة الدرزية في بيروت. الأخير وضعه في حصيلة اتصالات «التقدمي» مع مرجعيات في تركيا وقطر حول مجزرة قلب اللوزة. حسن تلقى اتصالات تعزية بضحايا المجزرة من الرئيس نبيه بري ومفتي الجمهورية عبد اللطيف دريان. بري اتصل معزياً أيضاً بكل من النائب طلال إرسلان والوزير السابق وئام وهاب والنائب السابق فيصل الداوود. بيان الحزب التقدمي استنكر «الأحداث التي جرت في إدلب»، معلناً «سعيه لمعالجة الحادث مع المعارضة السورية حيث أثمرت الاتصالات التي قام بها جنبلاط مع فصائل المعارضة ومع قوى إقليمية فاعلة ومؤثرة سعياً مشتركاً لضمان سلامة أبناء تلك القرى الذين وقفوا إلى جانب الثورة منذ انطلاقتها واستقبلوا النازحين في بيوتهم». ونفى المعلومات التي تحدثت عن ذبح تعرض له الموحدون الدروز، وما حصل «إشكال وقع بين عدد من الأهالي في بلدة قلب لوزة في جبل السماق وعناصر من النصرة حاولوا دخول منزل أحد العناصر الذي يعدونه مواليا للنظام السوري وتطور الإشكال إلى إطلاق نار أوقع عدداً من الشهداء وجرى تطويق الإشكال».
لكن وهاب أعلن النفير العام. خصص مؤتمراً صحافياً أعلن فيه أن «سقوط السويداء يعني سقوطنا جميعاً ولن نقبله وسنقاتل من المناطق اللبنانية كافة». طالب الرئيس السوري بتسليح السويداء لأن «أي تأخير تتحمل مسؤوليته الدولة السورية، ونحن نريد القتال الى جانب الدولة والجيش لحماية أنفسنا». ودعا إلى «إنشاء جيش في السويداء ووحدات مقاتلة والتطوع من لبنان وغير لبنان لحمل السلاح والوقوف الى جانب أهلنا». دماء قلب لوزة حمّلها وهاب لكل من «تركيا التي ترعى النصرة وقطر التي تمولها».
مساعد الأمين العام للحزب الديموقراطي اللبناني، وسام شروف، أعلن أن أرسلان سيعقد ظهر اليوم مؤتمراً صحافياً حول المجزرة. أرسلان سيكرر مواقف الحزب الثابتة منذ اندلاع الأحداث السورية بأن «النصرة وداعش لا يعطيان ضمانات لأحد، وأن النظام السوري لم ولن يقصر مع دروز سوريا»، قال شروف. مسؤول الحزب السوري القومي الاجتماعي في الجبل حسام العسراوي دعا إلى «عقد لقاء روحي جامع في أحد المقامات الدينية لإصدار موقف يحمي الدروز».
حزب الله استنكر في بيان «الجريمة الوحشية»، متوقفاً عند «السلوك الإسرائيلي الخادع والمنافق المتمثل بادّعاء الحرص على الدروز والدعوة لحمايتهم، فيما هو حليف رئيسي لهذه الجماعات الإرهابية». رئيس الحكومة تمام سلام، بدوره، دان المجزرة، أما الرئيس سعد الحريري، فرأى أنه «أسوأ ما يمكن أن تنحدر إليه الثورة السورية، التطوع في مهمات قتالية لا وظيفة لها سوى تقديم الخدمات المجانية لنظام الأسد. ونموذج قلب لوزة خطير عن السلوك الشائن الذي يسيء الى الشعب السوري وثورته وانتصاراته، ويعطي النظام وأتباعه فرصة التنفس من أخطاء بعض المعارضة والفصائل».