كان الرئيس المستقيل عبد ربه منصور هادي غير معنيّ بقرار بدء الحرب على اليمن، بحسب اعترافه لإحدى القنوات الخليجية، وقد علم بها عندما كان في محافظة المهرة أثناء هروبه من عدن. وهو اليوم كذلك، غير معنيّ بقرار إنهاء الحرب، فقد علم من الإعلام بإعلان وزير الخارجية الأميركي، جون كيري، عن اتفاق بين «طرفَي الحرب»، بحسب اعتراف وزير خارجيته، عبد الملك المخلافي. الأخير نفى علم حكومته بالمفاوضات التي جرت بين كيري، وبين ممثلين عن وفد صنعاء برعاية عُمانية، وأفضت إلى تفاهمات مبدئية وإلى وقف إطلاق نار دخل حيّز التنفيذ يوم أمس، برغم اعتراض حكومة هادي.
تبيّن لواشنطن أن المعركة العسكرية ليست ذات جدوى وتدور في حلقة مفرغة
ولم يكترث المتفاوضون لحالات الغضب و«الهستيريا» الإعلامية للجانب اليمني الذي يتخذ من فنادق الرياض مقراً له. وسواء توصلت المفاوضات إلى نتائج أو لم تتوصل، ستبقى حكومة هادي عاجزة عن لعب دور فعال وحقيقي في السياسة والميدان، فيما يقتصر دورها على مسألتين: الأولى، ذريعة استمرار الحرب، وشماعة الرياض لإضفاء شرعية دولية على هذه الحرب، والثانية تمثيل الحامل المحلي الموالي للسعودية على الأراضي اليمنية.
وسواء كان الحراك الأميركي يهدف إلى إنهاء الحرب حقيقةً، أو مجرد محاولة للقول إن واشنطن، في آخر ولاية الإدارة الحالية، فعلت ما أمكنها لإنهاء حرب لا يريد طرفاها إنهاءها، من خلال تسوية تشمل تنازلات من الطرفين. وبحال كان الأميركي جاداً في محاولة إنهاء المغامرة السعودية الذي هو أيضاً شريك أساسي فيها أو غير جاد، إلا أن هذه المحاولة تعدّ إقراراً أميركياً بفشل الحرب على اليمن.
ويتبيّن من جولات المفاوضات الأميركية في مسقط وأبوظبي أن المعركة العسكرية، على الأقل من وجهة نظر واشنطن، ليست ذات جدوى وتدور في حلقة مفرغة، وليس من شأن الميدان أن ينعكس أوراق ضغط على طاولة المفاوضات أو إمكان ترجمة أحداثه سياسياً. ومن غير المستبعد، أن يكون السعودي قد أدرك ذلك أيضاً، وربما ترسخ لديه هذا الاقتناع بدوره. غير أن العقدة الأساسية، التي لا تزال ماثلة، لا تكمن في تحقيق الجانب السعودي إنجازات بقدر خوفه من الخروج بمظهر المهزوم، وإن كانت صورته مهما قدم من تخريجات سياسية ستظل هشة.
مع ذلك، لم يختلف كثيراً الوضع الميداني عما كان عليه في جولات التفاوض السابقة، إلا في ما يتعلق بأوراق إضافية في جعبة المفاوض اليمني، وتحديداً الإنجازات الميدانية داخل الأراضي السعودية، والتي تتنامى بشكل تدريجي وتراكمي عما كانت عليه في الجولات السابقة، ما جعلها ورقة تفاوضية من مصلحة السعودية إنهاؤها، ولأنه بات يدرك وجوب دفع ثمن تلك الإنجازات في المعادلة الداخلية اليمنية كإحدى نتائج المفاوضات إن قيد لها أن تنطلق بالفعل.
وبرغم الحاجة الضرورية السعودية الملحّة للخروج من مأزق الحرب، تجد نفسها أمام واقع انكسار لا تقوى أن تقرّ به، ومن المرجح أن يترجم ذلك باستمرار الإصرار على المكابرة، التي من شأنه أن تدفع أثماناً هي الآن ترفض السماح لليمنيين تدفيعه إياها. ونتيجة مكابرتها، سيدور صاحب القرار في الرياض في دائرة انكسار مفرغة لا يقوى على الخروج منها لتداعياتها الكبيرة في أكثر من اتجاه، ولن تقتصر على الحدود الجنوبية، بل قد تنسحب على جبهات سعودية أخرى في الإقليم، بالإضافة إلى التداعيات في الداخل السعودي نفسه.
الصمت السعودي وعدم التعليق السياسي على خريطة طريق مبعوث الأمم المتحدة اسماعيل ولد الشيخ، وحالياً على مبادرة كيري، والحذر الإعلامي الرسمي يشير إلى أن الرياض لن ترفض المبادرات، لكنها ستسعى الى إفشالها من خلال وضع عراقيل أمامها وإغراقها بالتفاصيل والقراءة الخاصة بها، على خلفية عدم القدرة على الإقرار بالهزيمة. وستعتبر الرياض أن أي تسوية سياسية تؤمن لها حزمة من الإنجازات النسبية ستكون من منطلق الفرضية النظرية، من دون التمكن من امتلاك آليات تنفيذية على الأرض لحفظ هذه الإنجازات. وإن كانت المكابرة والإصرار على الحرب كما هي الآن بعبثيتها (بحسب الإقرار الغربي)، والقصور عن تحقيق إنجازات، ستفضي لاحقاً الى انكسار مدوٍّ، ستتجه الرياض نحوها بسبب الرعونة السياسية والقيادية لحكامها.