بعد أن اضطر تيار «المستقبل» منذ أسابيع إلى تأجيل مؤتمره العام، عقدت الهيئة التنفيذية للأمانة العامة أمس اجتماعاً لوضع اللمسات الأخيرة على الترتيبات اللوجستية والتنظيمية اللازمة لانعقاد المؤتمر الذي سيستمر يومين في البيال. لائحة كبيرة من الاحتياجات، تبدأ بتأمين الأقلام ودفاتر المُلاحظات والطعام والمياه، وصولاً الى تحديد خريطة المداخل والمخارج وأماكن الجلوس، سيبدأ المنظّمون منذ اليوم بإعدادها، والتأكد من إتمامها على أكمل وجه، منعاً لأي ثغرة تعكّر صفو المشاركين. وهؤلاء هم 1700 مندوب، تمّ انتخابهم في المؤتمرات المناطقية التي عُقدت مؤخراً، بالإضافة إلى المشاركين الحكميين (أعضاء المكتب السياسي السابق والحالي، مسؤولو المناطق، المنسقون، والكتلة النيابية). أما يوم غد، فسيجتمع الرئيس سعد الحريري بأعضاء المكتب السياسي في منزله في وادي أبو جميل، بهدف مناقشة البيان السياسي/ الاقتصادي ــ الاجتماعي، ووضع اللمسات الأخيرة عليه. حوالى 40 ورقة، يستعرض فيها التيار الوضع السياسي للمرحلة السابقة، بدءاً من المؤتمر التأسيسي الأول الذي عقد عام 2009، ويقدّم نظرته إلى الخريطة السياسية العامة، ومصير فريق الرابع عشر من آذار، وما آلت إليه الأمور منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري. كذلك سيتناول العلاقة مع مكوّنات هذا الفريق، والتحالفات الجديدة، وطبعاً العلاقة مع حزب الله.
الحريري منع بعض أعضاء المكتب السياسي من الترشّح مجدداً
في ظل الحديث عن تغييرات جوهرية ستطال شخصيات أساسية في تيار المستقبل، وتلويح الحريري في أكثر من مناسبة بمحاسبة المقصّرين، وإحداث «تغيير» حتمي على مستوى المواقع، ينتظر الجمهور المستقبلي ترجمة فعلية في يوم المؤتمر، يمكن أن تؤسس لمرحلة جديدة من العمل وتحريك العجلة التنظيمية. فهل يُصلِح المؤتمر ما أفسده غياب «الشيخ» لسنوات خارج البلاد؟
تقول مصادر الأمانة العامة للتيار إن «التعويل اليوم هو على القاعدة التي ستُحاسب وتُحاكم كل من قصّر في عمله». وتؤكّد أن «الحريري كان جدياً في موضوع المحاسبة»، كاشفة أنه «حمّل رسائل ضمنية لعدد كبير من أعضاء المكتب السياسي، طالبهم من خلالها بعدم الترشّح من جديد لعضوية المكتب، وخصوصاً الذين تولّوا أدواراً تنفيذية». واعتبرت المصادر هذا الإجراء «نوعاً من العقوبة من جهة، ومن جهة أخرى إفساحاً في المجال أمام وجوه جديدة». وجدير بالذكر أن «الأعضاء الممنوعين من الترشّح، هم من الذين شُنّت ضدهم حملات من القاعدة الشعبية، واتهموا بالتقصير، ومنهم صالح فروخ وخالد شهاب وسمير ضومط». ومن إشارات التغيير، بحسب المصادر، أن «أغلب المرشحين، الذين بلغ عددهم حوالى 40 مرشحاً على 18 مقعداً، تتراوح أعمارهم بين 35 و40 عاماً، ما يعني الإصرار على الاعتماد بشكل أساسي على عنصر الشباب، وخصوصاً ممن كانوا ينتمون الى جمعية شباب المستقبل الموجودة منذ ما قبل تشكيل التيار عام 2005». وكذلك «سيعيّن الرئيس 11 عضواً في المكتب السياسي، بينهم مندوب عن كتلة المستقبل. وهذا المكتب السياسي سينتخب الأمين العام ونواب الرئيس والهيئات التي تكمل المكتب السياسي».
إذاً سيذهب تيار المستقبل نحو خيارات جديدة على مستوى المكتب السياسي، فهل سينسحب ذلك على موقع الأمين العام للتيار الذي يشغله أحمد الحريري؟ بالطبع يتحمّل الرئيس سعد الحريري جزءاً كبيراً من المسؤولية ممّا لحق بمؤسساته وموظفيها، وحالة الركود التي أصابت التيار. لكن التقصير أيضاً من مسؤولية الأمين العام، إذ لم تسهم الهيكلية التي وضعها سابقاً في حماية التيار من الإنهيار. كذلك فإن الحريري (أحمد) أخفق في مراقبة المقصّرين ومحاسبتهم، ولم يلتفت إلى التراجع الذي أصاب التيار، فأصبح التسيّب والفوضى داخل المستقبل هما القاعدة التي يسير وفقها الجميع. فهل التقويم على كل المستويات الذي وعد به الرئيس الحريري سينسحب على «حامل الأمانة» أم أن «كبار التيار يأكلون الحصرم وصغاره يضرسون»؟ «أحمد باق على رأس الأمانة، وغير ذلك كلّه شائعات» كما تقول المصادر، مؤكّدة أن «لا علاقة بين ترؤسه الأمانة وإمكانية ترشحه في الانتخابات النيابية المقبلة». هل من مرشحّين منافسين؟ «طبعاً لا». هذا يعني فوزه بالتزكية؟ «المكتب السياسي المنُتخب من قبل المندوبين هو الذي سيعيد تعيين أحمد الحريري». هذا أقرب إلى القرار السياسي في ظل انتخابات يفترض أن تكون ديمقراطية، لكن كيف؟ «تيار المستقبل قائم على وجود شخص الرئيس سعد الحريري، وبالتالي اختيار المفاتيح الأساسية لهذا التيار متروكة له». أما التمسّك بـ«ابن عمته»، فيعود أولاً إلى «كون الحريري يُصرّ على إيداع هذا المنصب عند شخص من العائلة»، وثانياً لأن «الأمانة العامة تترتب عليها مسؤولية مالية، وبالتالي لا يُمكن تسليمها لأي كان». وبصراحة «لا يمكن محاسبة الأمين العام على التقصير، وهو محاط بمجموعة من المعاونين الذين يفترض أنهم أتوا من أحزاب أخرى، ويدّعون أن لديهم خبرة في العمل التنظيمي».
أهمية انعقاد المؤتمر في 26 و27 الشهر الجاري تكمن في أنه أتى بعد ست سنوات على المؤتمر التأسيسي الأول للتيار، وبعد تأجيله مرتين، علماً بأنه أهم خطوة من خطوات العمل التنظيمي. وأهميته أيضاً أنه يأتي في ظل أزمتين سياسية ومالية للرئيس الحريري أثّرتا بشكل واضح على عمل التيار وشعبيته. وميزته هي في «توسيع قاعدة المشاركة، واستناده إلى تجربة سابقة، ومشاركة المرأة وتوسيع التمثيل الطائفي». والأهم هو «وجود الوجوه الشابة غير المقيدة بالإطارات التقليدية». فهل يكون المؤتمر خطوة نحو تطوّر لافت أم مجرّد بروتوكول يبقي التيار حيث هو؟