يوم السبت الماضي، أصدر مدير المناقصات جان العلية مذكرة تحمل الرقم 37. تنصّ المذكرة على الآتي: "بناءً على كتب الاعتراضات المقدمة إلى إدارة المناقصات من أربع شركات، ونظراً إلى اشتراك أو بقاء عارض وحيد في الجلسات التي عقدت بتواريخ سابقة، وحرصاً على اعتبارات العدالة والمنافسة والعلنية والمساواة التي تحكم الصفقات العمومية، تقرّر إرجاء مواعيد جلسات تلزيم استدراجات عروض الأشغال والأعمال والتجهيزات الأمنية والتقنية المطلوبة لمطار بيروت الدولي إلى مواعيد جديدة تحدّد لاحقاً".
لم يعلّق برّي على تمرّد وزارة الأشغال على القرارات القضائية
عملياً، قد تكون هذه الخطوة معبراً يؤدي إلى نسف آلية التلزيم السابقة للمشاريع الخمسة المتعلقة بـ"أمن المطار"، أي نسف قرار مجلس الوزراء الذي أجاز لوزارة الأشغال تلزيم خمسة مشاريع بطريقة استدراج عروض يتمّ من خلال دعوة عدد محصور من المتعهدين للمشاركة في جلسات التلزيم بقرار من وزير الأشغال غازي زعيتر. صحيح أن إدارة المناقصات لا تملك هذه الصلاحية، إلا أن خطوتها استندت إلى غطاء سياسي من رئيس مجلس النواب نبيه برّي، الذي تحرّك إثر المقال المنشور في «الأخبار» يوم الجمعة الماضي بعنوان: «أمن المطار ليس مُلِحّاً: تلزيمات على المقاس" (http://al-akhbar.com/node/267872). فقد تبيّن للرئيس برّي أن الشبهات التي تحوم حول عملية تلزيم المشاريع الخمسة، جديّة، ما استدعى تدخّلاً مباشراً منه. وقد تبلّغت "الأخبار" من مستشار الرئيس برّي، علي حمدان، اهتمامه بما ورد في المقال وأنه أعطى التوجيهات اللازمة إلى الجهات المعنية في وزارة الأشغال وإدارة المناقصات للقيام بما يلزم.
الشبهات المذكورة تكمن في كون التلزيمات الخمسة التي أجاز مجلس الوزراء تلزيمها بطريقة استدراج العروض وتسمية المتعهدين المسموح لهم بالمشاركة فيها بقرار من وزير الأشغال، هي تلزيمات ملحّة نظراً إلى ضرورتها الأمنية، لكن وزارة الأشغال ترجمت هذه الضرورة الملحّة بشكل مختلف، إذ تأخّرت في إرسال ملفات هذه التلزيمات الخمسة وقرارات تسمية المتعهدين ودفاتر الشروط إلى إدارة المناقصات، لأكثر من خمسة أشهر، ما يعني أنها استخدمت الآلية الاستثنائية التي أقرّت بالاستناد إلى العجلة والضرورة الملحّة التي يتطلبها "أمن المطار" في غير موقعها. هذه الآلية تفسح المجال أمام التلاعب في عملية التلزيم، ولا سيما في ضوء إلغاء جلستي تلزيم من أصل خمس جلسات. الأولى شارك فيها عارض واحد من أصل خمس شركات دعاها وزير الأشغال، وفي الثانية لم يشارك سوى عارضين اثنين وسط شبهات بين أعضاء اللجنة تفيد بأن مالك الشركتين هو شخص واحد... الاستنتاج السائد هو أن الهدف من آلية التلزيم الحالية أن تعاد جلسات التلزيم لمرّة ثانية وتفشل تمهيداً لتوقيع اتفاقات بالتراضي مع عارضين ينتقيهم وزير الأشغال.
رغم ذلك، لم تكن إدارة المناقصات قادرة على اتخاذ أي إجراء، بل هي كانت مقيّدة بقرار مجلس الوزراء الرقم 14 الصادر بتاريخ 12/4/2016 والذي يشير إلى "تكليف وزارة الأشغال العامة والنقل القيام باستدراج عروض عبر إدارة المناقصات وفق دفتر الشروط الذي أعدّته اللجنة المشتركة المشكلة خصيصاً لدراسة موضوع تنفيذ مشاريع رفع مستوى الحماية الأمنية في مطار بيروت الدولي". أكثر من ذلك، نصّ القرار على أن يكون ممثلو الوزارات والأجهزة التي شاركت في اللجنة، بالإضافة إلى ممثل عن الجمارك، أعضاء في لجنة فضّ العروض، وتضمن أيضاً تقصيراً للمهل (مهلة تبليغ العارضين بجلسة التلزيم) إلى 15 يوماً، قبل أن يصدر قرار ثانٍ في 19/5/2016 يقلّصها إلى خمسة أيام!
كل هذه المخالفات لقانون المحاسبة العمومية لم تكن كافية لإثارة الشبهات حينها، إذ إن الغطاء السياسي في لبنان هو الأقوى والأكثر نفوذاً وفعالية، وهو ما كان يمنع إلغاء أو تأجيل المناقصة. حتى إن الاعتراضات التي قدمتها أربع شركات على هذه التلزيمات لاستبعادها عن الصفقة أو دعوتها للمشاركة في صفقة لا تدخل ضمن اختصاصها، كانت تنتظر صدور قرار بشأنها من قبل مجلس شورى الدولة، إلا أن الثقة بتنفيذ قرارات هذا المجلس باتت معدومة. فعلى سبيل المثال، إن القرارات الصادرة عن المجلس بشأن الأشغال التي لزّّمتها وزارة الأشغال لم تنفذ ولا سبيل لتنفيذها. وهذا الأمر كان لافتاً بالنسبة إلى تدخّل الرئيس بري، إذ إن تلزيمات "أمن المطار" وحدها التي استحوذت على اهتمامه وهو لم يتدخل ليمنع تلزيمات مشبوهة أكثر وضوحاً، مثل المرحلة الأولى من مرفأ عدلون حين ألغيت المناقصة واستبدلت باستدراج عروض محصور، والمرحلة الثانية أيضاً التي نفذت بواسطة استدراج العروض أيضاً. كذلك لم يعلّق برّي على تمرّد وزارة الأشغال على القرارات القضائية الصادرة عن مجلس شورى الدولة بشأن تلزيمات عدلون، وتلزيمات مواقف المطار أيضاً.