السنوات الثلاثون التي قضاها ابن بلدة الخيام هاني عبدالله في الإمارات، لم تُجنّب نجله عبدالله السجن المؤبد. عبدالله هاني عبدالله الذي كان يعمل مع والده في هدم المباني، اتُّهم منذ ثلاث سنوات بأنّه «منسّق خلية إرهابية تعمل لصالح حزب الله اللبناني». بقي نحو سنتين مجهول المصير في السجون الإماراتية، ولم يُسمح لعائلته بزيارته طوال فترة احتجازه إلى أن أُحيل إلى النيابة العامة. حاله من حال ابن طرابلس أحمد مكّاوي، الذي صدر بحقه ــــ منذ أسبوعين فقط ــــ حكم بالسجن ١٥ عاماً. مكّاوي أوقف «بناءً على إفادة عبدالله»، وأُخفي في أقبية السجون الإماراتية 13 شهراً من دون أن تعلم عائلته عنه شيئاً، قبل أن يُسمَح لشقيقته وزوجته بزيارته للمرة الأولى بعد إحالته إلى النيابة العامة. يومها كان في رأسه أثر جرحين بالغين جرّاء التعذيب الذي تعرّض له، بحسب ما نقل وكيله القانوني المحامي محمد صبلوح. في تلك المرة، أقسم الشاب لزائرتيه "أيماناً مغلّظة" على أنّه بريء من التُهم التي تُساق ضده. هذه المعلومات نقلها لـ «الأخبار» صبلوح، أحد المحامين البارزين الذين ترافعوا في ملفات السجناء الإسلاميين في لبنان، وهو وكيل المتهم اللبناني في «خلية حزب الله» أحمد مكاوي. وتحدث صبلوح عن ملفات فارغة أُدين بموجبها جميع الموقوفين، مشيراً إلى أنّه «لا يوجد أي دليل حقيقي يُثبت ما نُسب إليهم. ورغم ذلك صدرت بحقهم أحكام تراوحت بين السجن عشر سنوات والمؤبد». وينقل صبلوح عن موكّله أنّ الموقوف الرئيسي في القضية عبدالله عبدالله قال لمكّاوي عندما التقيا لأول مرة: «سامحني اضطريت حط اسمك وورطك لأن هلكوني تحت التعذيب»، علماً بأنّ مكّاوي يُتّهم بأنه ترأس خلية أبو ظبي، التابعة لـ«المنسّق العام» عبدالله عبدالله، وكانت مهمته تجنيد عناصر من العاملين في السلك الأمني والعسكري!
زعم الشاهد أنّ المتهم ــ الذي لا يجيد السباحة ــ سبح سبع ساعات لتصوير قاعدة بحرية عسكرية
ضجّ الإعلام الخليجي بأخبار «خلية حزب الله» على مدى الشهور الماضية. ورغم أنّ جلسات المحكمة ومرافعات وكلاء الموقوفين ردّت على هيئة المحكمة بأنّ «المعلومات الحسّاسة» التي يُتّهم موكّلوهم بتسريبها إلى «تنظيم عدو» منشورة أصلاً في الإعلام ويمكن لأيٍّ كان الحصول عليها، بل لا يوجد أي دليل حسّي على تسريبها أصلاً، إلا أنّ ذلك لم يشفع للمتّهمين السبعة. وقد ركّزت مرافعات المحامين عبد القادر الهيثمي وإبراهيم الملا وحسن الريامي على هذه المسألة، لا سيما أنّ المعلومات التي يتهم الموقوفون بجمعها متوافرة للجميع، كصور السفراء والشخصيات الرسمية أو المعطيات عن الصفقات أو عديد الجيش، فضلاً عن أنّه لم يُضبط أي دليل أو أداة مستخدمة. حتى الكاميرا التي زعم المحققون أنّ المتّهم الرئيسي استخدمها لتصوير «ضحاياه»، عندما سأل عنها المحامون، أجاب المحققون بأنّه أعادها إلى حزب الله عبر مطار بيروت لإتلاف أي دليل وإخفاء أي أثر! يُضاف إلى ذلك أنّ معظم أفراد المجموعة ينتمون إلى الطائفة السنيّة، باستثناء اثنين فقط. الى ذلك، اتُّهم «المنسّق العام لحزب الله ــ فرع الإمارات» بأنّه ينسّق بين خلايا حزب الله على أراضي الإمارات، إلا أن الأمن الإماراتي لم يُقدّم أي معلومة أو موقوفاً من الخلايا المزعومة. وورد أيضاً في مضمون الاتهامات زعم «شاهد» أنّ مكاوي سبح لسبع ساعات بهدف تصوير قاعدة بحرية عسكرية، علماً بأنّ المتّهم لا يُجيد السباحة أصلاً!
ورغم ذلك، لم يتحرّك ساكن بين قضاة المحكمة الصورية التي بدت أقرب إلى محاكم تفتيش من القرون الوسطى، بحيث بدت الأحكام سياسية معلّبة مسبقاً، لا تنتظر دليل إثبات أو نفي.
حكاية عبدالله وأحمد لا تختلف عن حكاية باقي أفراد «الخلية»، لا سيما المتّهم الإماراتي الرئيسي في القضية ح.ح. الذي كان يتولّى إدارة شركة طيران في أبو ظبي، إذ تذكر الرواية الإماراتية الأمنية أنّ "النائب اللبناني حسين الحاج حسن" جنّده، زاعمة أنّه قبض من الأخير، وهو "قيادي بارز في حزب الله"، مبلغ مليوني دولار وهدايا باهظة الثمن بعد زيارته للبنان عام ٢٠٠٥، مقابل تسليم معلومات خاصة بدائرة حكومية لحزب الله ولمصلحة دولة أجنبية. وورد في ملف التحقيق أنّ المتّهم الإماراتي دخل إلى لبنان عدة مرات وزوّد الحزب بأسماء ضباط في جهاز أمن الدولة الإماراتي، وأنّه كُلِّف بجمع معلومات عن سلاح الجو الإماراتي.
وتزعم الرواية الأمنية الإماراتية أنّ «حزب الله كان يجمع معلومات عن ضباط في أمن الدولة ومعلومات اقتصادية عن إنتاج إحدى إمارات الدولة من النفط (!!!) وخرائط تبيّن مواقع حقول البترول والغاز وتصوير دوائر حكومية» (كل هذه المعلومات متوافرة على شبكة الإنترنت، ومن بينها مواقع حقول النفط). أما آليات تجنيد الحزب عملاءه في الإمارات، بحسب زعم «الشاهدين»، وهما الضابطان اللذان توليا التحقيق مع الموقوفين، فكانت تتم عبر إقامة «جلسات ماجنة» لتصوير المدعوين إليها في أوضاع حميمة، لابتزازهم ثم تجنيدهم لمصلحة «الحزب الإرهابي والمخابرات الإيرانية». وزعم «الشاهدان» أن «حزب الله الإرهابي زرع خلايا عنقودية داخل الدولة لتضليل أجهزة الأمن»، مشيرين إلى أنّ حزب الله كان ينوي استهداف مصالح الدولة الإماراتية.
هل يُعقل أن تستند أعلى محكمة في دولة تُعدّ "متقدّمة" كـ«الإمارات العربية» إلى إفادة شاهدين هما ضابطان في جهاز أمن الدولة، حقّقا مع الموقوفين وقدما الرواية الوحيدة التي استُند إليها لسرد وقائع تشكيل الخلية الإرهابية المؤلفة من سبعة أعضاء؟ علماً بأنه لم يُقدّم دليل حقيقي في المحاكمة، إذ استند «الشاهدان» الى عبارة «مصادرنا السرية» والى "اعترافات" الموقوفين.
ومن «الاعترافات» الطريفة ان المتهمة المصرية ف. ع. (زوجة عبدالله وتعمل صحافية في مجلتين نسائيتين) كانت تزوّد زوجها بصور لـ«شخصيات مهمة» من حفلات كانت تغطيها في إطار عملها، ويحضرها سفراء ورموز الدولة! وادعى «الشاهدان» أنّها قدمت لـ«قائد الخلية»، عبدالله عبدالله، خرائط جيولوجية ومواقع إحدى شركات البترول، من دون الإشارة إلى أنه زوجها، لكن أُشير إلى أنّها مرتبطة به بـ«زواج متعة».
الاتهامات لم تقف عند أفراد المجموعة السبعة. فقد علمت «الأخبار» أنّ عدداً من أصدقاء الموقوفين مُنعوا من السفر مدة سنة قبل أن يُرحّلوا. وفيما ترددت معلومات أنّ بين هؤلاء قريب زوجة وزير العدل المستقيل اللواء أشرف ريفي، المدعو صلاح أديب، نفى ريفي في اتصال مع «الأخبار» أي علاقة بين قريب زوجته وأفراد «الخلية»، مشيراً إلى أنّ قضية قريبه كانت مغايرة.
وتُعوّل عائلات الموقوفين على طلبات استرحام يسعون إلى تقديمها، علّها تسهم في إعادة المحاكمة.
تجدر الإشارة إلى أنّ المحكمة الاتحادية العليا في الإمارات أصدرت نهاية الشهر الماضي أحكاماً قضت بالسجن المؤبد بحق كل من عبدالله عبدالله وعلي مجهول باقي الهوية. وقضت بسجن اللبناني أحمد مكاوي والعراقي صلاح ع. مدة خمسة عشر عاماً. كذلك قضت بالسجن المؤبد على الإماراتي ح.ح. وبالسجن 10 سنوات للإماراتي م. ك. والمصرية من أصل كندي ف. ح.