مقالات مرتبطة
هل يهمّنا حقّاً الآن من يعتلي فرس جون واين البيضاء، ما دامت المنظومة الأيديولوجيّة نفسها، والمصالح الاستراتيجيّة نفسها، والنظر الفوقيّة نفسها إلى العالم؟ ما دامت الماكينة نفسها تشتغل من أجل الهيمنة العسكريّة والتكنولوجيّة والاقتصاديّة على العالم. إذا نظرنا إلى واشنطن من أفغانستان أو العراق، سوريا أو اليمن، ليبيا أو البحرين، إذا نظرنا إلى واشنطن من لبنان وفلسطين… هل هناك فرق بين «يميني» و«يساري»، «أبيض» و«أسود»، «رجل» و«امرأة»؟ هل ستفعل هيلاري كلينتون «المرأة»، أفضل من سلَفها «الأسود»؟ هل هيلاري كلينتون المعتدلة «الديمقراطيّة»، أفضل، من زاوية مصالحنا، من الفاشي «الجمهوري» دونالد ترامب؟ لقد اختلف الخصمان على كل شيء، وبقي يجمعهما حب إسرائيل. فرقتهما كل القضايا على مستوى المواجهات اللفظيّة، وصراعات المصالح، والبرامج السياسيّة، لكنهما يلتقيان على اضطهاد «هنود» الأزمنة المعاصرة، ضحايا النظام الأميركي، المهمّشين والفقراء والمستغَلّين والمستضعفين، أكانوا يعيشون «داخل التنين» أم في الضواحي النائية لـ «الإمبراطوريّة».
ما تقوله الانتخابات الرئاسيّة الأميركيّة التي انتهت فجر اليوم، بعد أشهر من التشويق العبثي، والمواجهات الدنيئة، والتصعيد النيو ليبرالي تارة، والعنصري طوراً، ليس في النتيجة النهائيّة للتصويت الشعبي. العبرة الحقيقية هي الانقسام الواضح لأميركا، على امتداد الفصول التراجيكوميديّة للمواجهة بين كلينتون وترامب. مواجهة كاريكاتوريّة تختصر بؤس الديمقراطيّة التي يبيعنا إيّاها الغرب. أميركا هذه الدولة العظمى التي تريد أن تحكم العالم، تترك لنا الخيار بين السيّئ الذي نعرف، والأسوأ الذي سيأخذنا إلى المجهول. بين خطاب متغطرس جعل الدولة الأعظم تتلعثم للمرّة الأولى وتشكّ في قوّتها وجبروتها الهوليوودي، وخطاب شعبوي عنصري اختزالي لاعقلاني أقنع الشعب، وسيقودها حتماً إلى الكارثة. قريباً في فرنسا سنجد أنفسنا على الأرجح أمام مواجهة من النوع نفسه، بين اليمين الليبرالي المتغطرس، واليمين المتطرّف العنصري. هذا ما تقدّمه الديمقراطيّة الغربية للإنسانية اليوم. ويفترض بنا أن نأخذها مثالاً يحتذى لبناء مستقبلنا وسعادة شعوبنا!
إنّّه الإفلاس الحقيقي لنظام سياسي مزعزع يريد نفسه نموذجاً كونيّاً. لقد أثبت لنا، رغم تواطؤ رأس المال وإعلام الفكر الواحد، أنّه لم يعد قادراً إلا على إنتاج الغوغائيّة والشعبويّة التي تمهّد للفاشيّة. من صناديق الاقتراع الأميركيّة تخرج نتيجة أساسيّة: سنشهد مزيداً من التشنّج، والعنف، والعسكرة والحروب. وفي الوقت نفسه زعزعة النظام الديمقراطي، وبداية نهاية الإمبراطوريّة. ليست نهاية عسكرية ولا اقتصاديّة حتّى الآن. ما همّ إن كان العملاق الصيني الزاحف سيمهلها قليلاً. ما همّ إن كانت قواعدها العسكريّة منتشرة بفجور في العالم «الحرّ» وغير الحرّ. لقد بدأت الإمبراطوريّة الأميركيّة تتآكل من داخل. دونالد ترامب الذي بدأ مزحة سمجة، ليس إلا ابن أميركا الشرعي، ورمز نظامها الرأسمالي، ووجهها الحقيقي، والمسخ الذي يجسّدها خير تجسيد. وهو اليوم الرابح الأكبر! نعم عزيزي مارك ميتشل، «إننا نعيش لحظة من الفوضى والرعب قد تشكّل حالة فريدة في التاريخ البشري». أعدَّ لنا ولكم ما استطعت من الأكفان.