لا ترتفع على جزيرة البيئة (جزيرة البقر او جزيرة عبد الوهاب)، قبالة كورنيش ميناء طرابلس، اي لافتة تشير الى طبيعة المنشأة الاسمنتية الجاري تشييدها هناك، على الرغم من زحمة اللافتات عند مدخل الجزيرة على الجانبين، التي تحمل أسماء جهات رسمية ومنظمات دولية وجمعيات محلية تساهم في تأهيل الجزيرة، التي جرى افتتاحها العام الماضي، ضمن مشروع دعم المجتمعات المضيفة للنازحين السوريين، بإشراف وزارة الشؤون الإجتماعية.تتزامن اعمال البناء مع أعمال جرف وردم تجري على كورنيش الميناء قبالة مبنى الجامعة العربية، ما أطلق العنان للمخاوف بشأن تجدد طرح مشاريع السطو على الواجهة البحرية.
ينفي رئيس بلدية الميناء عبد القادر علم الدين علمه بما يجري. قال: «لا جواب لدي»، فالبلدية لا تعرف بالأعمال الجارية على الجزيرة، يوضح: «الجزيرة من الأملاك البحرية العامة، والمسؤول عنها وزارة النقل والأشغال العامة ولا سلطة للبلدية عليها، أما الأعمال المنفذة على الشاطئ، فلا تعدو كونها كاسر أمواج لحماية رصيف الكورنيش من التآكل، وهو من تنفيذ وإشراف الوزارة بناء على طلب البلدية في وقت سابق».

المنشأة بلا ترخيص

تؤكّد مصادر بلدية مطلعة عدم وجود أي رخصة من وزارة الأشغال للبناء على الجزيرة، باستثناء رخصة سابقة لوزارة الشؤون الاجتماعية مدتها ستة أشهر لزراعة النخيل. تشير المصادر عينها «في حال استصدار رخصة يجب تعليقها على مدخل الجزيرة، وإيداع نسخة منها في البلدية ونسخة للدرك، وهذا ما لم يحدث».
يقول وزير الشؤون الإجتماعية رشيد درباس، في اتصال مع "الاخبار"، ان "تأهيل الجزيرة أخيراً جرى بتبرعات من الحكومة الإيطالية، وتدير الجزيرة حالياً جمعية دار الوفاء بإشراف الوزارة، ولكن تواجهنا مشكلة الإنفاق عليها، فسألنا المتبصرين وأشاروا الينا بإنشاء مطعم لتأمين النفقات، فطلبنا من مطعم قصر الحلو، وضغطنا عليه، لإنشائه على الجزيرة وإدارته لما له من خبرة بإدارة المطاعم. وكلما حصلنا على تمويل أضفنا إليها شيئاً جديداً، فقد أقمنا مركزا للمعلومات للأطفال على مدخل الجزيرة، وندرس إمكانية عمل أكواريوم كذلك، علماً أنها ستبقى مفتوحة مجاناً للجمهور». وردا على سؤال عن عدم سلوك المشروع الطرق الشرعية (من إجراء مزايدة والحصول على تراخيص) أجاب درباس: «انا لا أحب أن أدخل في متاهات وأذهب للإنجاز مباشرة».
وزير الشؤون الاجتماعية: سألنا المتبصرين وأشاروا الينا بإنشاء مطعم!

ردم البحر مخيف

يُعلق الناشط الدكتور سامر أنوس قائلاً: «لم يعد لدينا ثقة بتعاطي المسؤولين مع ملفات الاملاك البحرية والاستيلاء على المال العام، منذ القِدم حتى الآن، وموضوع الجزيرة أحد هذه الملفات وكورنيش الميناء كذلك. فقد رُدِم في الثمانينيات ليس ضمن تخطيط هندسي تطويري لمدينة الميناء، وإنما بحسب مصالح بعض أصحاب الأملاك المحاذية للكورنيش، والمشكلة الأكبر أنه رُدم حينها بمخلفات الحرب، ما ترك أثرا بيئيا سلبيا، وقضى على عدد من المواقع التي كانت تضم مقالع حجر فينيقية، وها هي الجزيرة البيئية التاريخية تشوَّه من دون أي ضابط أو رابط، فبأي حق؟». ويضيف أنوس «يكمن الإشكال الحقيقي بمن يدير المرافق العامة، وغياب الشفافية يخلق لبساً دائماً بشأن المشاريع المطروحة، ما يضطرنا للبحث المستمر في خلفيات أي منها، ويبقى خوفنا الأساسي هو مشروع ردم البحر، ذلك المشروع المخيف... المخيف».
تبدو هنا المخاوف لها ما يبررها، وخاصة أن درباس صرح في أكثر من مناسبة - خلال الأشهر الماضية- باقتراب البدء بمشروع الواجهة البحرية على مسافة 7 كيلومترات من كورنيش طرابلس والميناء، ويتواءم ذلك مع ما رُوِّج له أخيراً عن تحويل أموال مشروع المرأب إلى الواجهة البحرية، في ظلّ عدم انكار أو تأكيد أي مسؤول.

مجزرة بيئية حقيقية

يقول المهندس المعماري وائل الدبس، عضو مجلس بلدية الميناء السابق: «من المستغرب تبرّؤ بلدية الميناء من الجزيرة، وهي تقع في نطاقها الجغرافي، فمن المعروف أن الوزارة لا يمكنها تنفيذ شيء من دون الرجوع للبلدية، والكورنيش والجزيرة يخضعان للقانون نفسه، والمبدأ نفسه لا يتجزأ». ويضيف: «لن نتخذ موقفاً من المطعم، المشكلة الكبرى تكمن في وضع انشاءات خرسانية في وسط جزيرة بيئية صغيرة ما يُعد مجزرة بحقها. الممارسات الأمثل في الحالات المشابهة تنفيذ انشاءات متحركة ومتلائمة مع البيئة، بحيث أنها تثبّت بأعمدة حديدية بحرية ترتفع عن الارض بمقدار نصف متر، كي تكون قابلة للإزالة عند انتفاء الحاجة لها، أما الباطون، فهو ذو تأثير أبدي على البيئة، إذ ما زالت آثار متراس باطوني على جزيرة البلان كشاهد على الحرب الأهلية لا تمحى». يعبّر الدبس عن خشيته من أن يكون لهذه المنشأة أجزاء ثانية وثالثة ورابعة على الجزيرة، أو الجزر الأخرى، وخاصة أنها ليست جميعها محمية، ويكون بذلك قد فُتح الباب على مجزرة بيئية حقيقية.
وفي ما يخص الردم على الكورنيش أمام الجامعة العربية يضع الدبس علامات استفهام حوله، قائلا:«إن كان ما ينفَّذ هو كاسر أمواج، كما تقول البلدية، فلما يُردم الموقع بمخلفات بناء ورمل بدلاً من وضع بلوكات باطونية؟ هذا يعني واحدا من اثنين، إما أن المقاول ينفذ المشروع بطريقة خاطئة، وإما يجري تنفيذ شيء مغاير لما جرى التصريح عنه، وخاصة مع عدم وجود بلاك يفيد بنوع المشروع».

وريث الجزيرة

بالعودة إلى جزيرة البقر، قانوناً يجب أن تكون تحت إدارة وزارة الأشغال، ولكنّ واقع الحال يشير إلى اهتمام ملحوظ لوزارة الشؤون الإجتماعية بالجزيرة، متمثلاً بالوزير رشيد درباس ابن مدينة الميناء، الذي افتتحها العام الماضي بحضور حشد من السياسيين والفعاليات. وجمع لها التمويلات من جهات عديدة تضم مفوضية الأمم المتحدة للاجئين، وزارة شؤون اللاجئين الإيطالية، السفارة الإيطالية، مؤسسة كميل نديم مراد،IBL، بنك الاعتماد الوطني، مؤسسة موريس فاضل، مجموعة عصام عيسى، قصر حلو عبد الرحمن الحلاب، غرفة التجارة والصناعة والزراعة، شركة لافاجيت، جمعية دار الوفاء. هذه الأسماء مجتمعة كانت كفيلة بالنهوض بمدينة الميناء وليس فقط بالجزيرة، فماذا قدمت؟
تحتوي الجزيرة حالياً على عدد من المقاعد وأراجيح الأطفال وكشك ومحطة طاقة شمسية، إضافة إلى غزالين وثلاثة أقفاص طيور – ممنوع الاقتراب منها – وسرب من البط والدجاج، فضلا عن أشجار نخيل ونباتات تسلل إليها اليباس. يُذكر أن تمديدات المياه والكهرباء وأعمدة الإنارة كانت قد جرى تنفيذها خلال سنوات سابقة بواسطة جمعية لجنة رعاية البيئة بالتعاون مع بلدية الميناء ومؤسسة الصفدي، أما جسر المشاة الذي يربط الجزيرة بالشاطئ، فكان قد أُنشئ خلال عهد الوزير عمر مسقاوي في التسعينيات.
يفيد بعض المطلعين بأن اهتمام الوزير درباس بالجزيرة مرجِعه الى أن عائلة عبد الوهاب مستأجرة لما يقارب نصف مساحتها تقريباً منذ عقود، وهم يمتّون بصلة قرابة للوزير لناحية الأم، ويعدّ هو أحد الورثة، وقد كنّيت الجزيرة باسم العائلة بعدما كان اسمها لفترة طويلة جزيرة البقر، وقد شارف العقد على نهاية المدة، وهناك معلومات عن اشكالات مع وزارة الأشغال من أجل تجديده، بحسب المصادر.
اعمال التأهيل حالياً تطاول الجزء الواقع في المساحة غير المؤجرة، أما الجزء المُؤجّر، فترتفع فوقه بقايا جدران لغرف قديمة من الخفّان والحجارة الرملية، وهي مهملة منذ سنوات طويلة، والمطعم الجاري تنفيذه تقارب مساحته 150 متراً بخلاف المساحة المتوقع حجزها للطاولات، ما يعني القضاء على المساحة المخصصة لألعاب الاطفال.
اللافت انه لا اثر لما يسمى مركز معلومات الأطفال في الجزيرة، إلا إن كان المقصود بمركز المعلومات اللوحات الاربع لصور الأسماك المعلقة على الكشك.




الجزيرة الاقرب الى الشاطىء

تعرف كذلك بجزيرة عبد الوهاب وجزيرة البيئة، وهي جزيرة صغيرة لا تتجاوز مساحتها 600 م2، تقع قبالة شاطئ ميناء طرابلس وهي إحدى الجزر الاحدى عشرة (ثلاث منها محميات طبيعية) والأقرب إلى الشاطئ، تمتاز ببيئة بحرية من الصخور والنباتات وبأنها مقصد للسلاحف البحرية المهددة بالانقراض.
تذكر الوثائق التاريخية دوراً مهماً لها خلال الحملة الصليبية، ويُشار إلى بقايا دير عليها وعرفت في ذلك الوقت باسم "سان توماس"، كما يُذكر أن الصليبيين فروا إليها عند فتح طرابلس على يد المماليك عام سنة 1289 م.
وكانت لأمدٍ قريب تُستخدم كحوضٍ جاف لبناء وإصلاح السفن من هنا تسميتها أيضاً ( جزيرة عبد الوهاب ) نسبة لإسم العائلة التي كانت قد استأجرتها لهذا الغرض.
أما تسمية جزيرة البقر، فمنسوبة إلى حيوان "بقرة البحر"، الذي كان يعيش عليها بكثرة وهجرها إلى غير رجعة.